عن هانئ مولى عثمان قال: عثمان رضي الله عنه إذا
وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له:
تذكر الجنة والنار فلا تبكي ،
وتبكي من هذا؟ فقال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
«القبر أول منازل الآخرة، فإن ينج منه فما بعده أيسر منه،
وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه» ثم قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما رأيت منظراً
إلا والقبر أفظع منه» {أحمد والترمزي وحسنه الألباني}
وفي حديث جابر بن عبدالله عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال : «لا تمنوا الموت فإن
هول المطلع شديد» {أحمد وحسنه الهيثمي} .
* ووعظ عمر بن عبدالعزيز يوماً أصحابه فكان من كلامه أنه قال
:«إذا مررت بهم فنادهم إن كنت منادياً ، وادعهم إن كنت داعياً
، ومر بعسكرهم، وانظر إلى تقارب منازلهم .. سل غنيهم ما بقي من غناه؟ ..
واسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا للذات بها ينظرون .
. واسألهم عن الجلود الرقيقة ، والوجوه الحسنة، والأجساد الناعمة
، ما صنع بها الديدان تحت الأكفان؟!
.. أكلت الألسن، وغفرت الوجوه، ومحيت المحاسن، وكسرت الفقار،
وبانت الأعضاء ، ومزقت الأشلاء فأين حجابهم وقبابهم؟
وأين خدمهم وعبيدهم؟ وجمعهم وكنوزهم؟ أليسوا في منازل الخلوات؟
أليس الليل والنهار عليهم سواء ؟
أليسوا في مدلهمة ظلماء؟ قد حيل بينهم وبين العمل،
وفارقوا الأحبة والمال والأهل.
* فيا ساكن القبر غداً ! ما الذي غرك من الدنيا؟
أين دارك الفيحاء ونهرك المطرد؟ وأين ثمارك اليانعة؟
وأين رقاق ثيابك؟ وأين طيبك وبخورك؟ وأين كسوتك لصيفك وشتائك؟ .
. ليت شعري بأي خديك بدأ البلى .
. يا مجاور الهلكات صرت في محلة الموت ..
ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا
..وما يأتيني به من رسالة ربي ..
ثم انصرف رحمة الله فما عاش بعد ذلك إلا جمعة .
* إخوتي :
تفكروا في الذين رحلوا .. أين نزلوا ؟ وتذكروا ا،
القوم نوقشوا وسئلوا .. واعلموا أنكم كما تعذلون عذلوا .
. ولقد ودوا بعد الفوات لو قبلوا .. ولكن هيهات هيهات وقد قبروا .
ماذا أعددت لأول ليلة تبيتها في قبرك؟
أما علمت أنها ليلة شديدة، بكى منها العلماء، وشكا منها الحكماء،
وشمر لها الصالحون الأتقياء؟
فارقت موضع مرقدي *** يوماَ فقارققني السكون
القبر أول ليلة *** بالله قل لي ما يكون ؟!
فالواجب على كل مسلم أن يستعيذ بالله تعالى من عذاب القبر،\
وأن يستعد له بالأعمال الصالحة
قبل أن يدخل فيه، فإنه قد سهل عليه الأمر ما دام في الدنيا.
فإذا دخل القبر فإنه يتمنى أن يؤذن له بحسنة واحدة أو يؤذن
بأن يصلي ركعتين، أو يقول: لا إله إلا الله ،
محمد رسول الله ولو مرة واحدة، أو يؤذن له بتسبيحه
واحدة، فلا يؤذن له، فيبقى في حسرة وندامة
،
ويتعجب من الأحياء كيف يضيعون أيامهم في الغفلة والبطالة ؟!
قد كان عمرك ميلا *** فأصبح الميل شبرا
وأصبح الشبر عقدا *** فاحفر لنفسك قبرا
نسأل الله أن يوفقنا للاستعداد ليوم الحاجة، ولا يجعلنا من النادمين
، وأن يجعل القبور بعد فراق الدنيا خير
منازلنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل
. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .