أطلال الحكاية ( يحكى أن. ) خاص القــــصص والــــــروايات والأساطيــــر |
الإهداءات |
#1
| |||||||||
| |||||||||
حديث المستشرق بلاشير عن القرآن ( 1 ) . أول ما يَنبَغِي ذكرُه من أخطاءِ هذا المستشرقِ: أنه لا يَحتَرِم أمانةَ العلمِ فيما يختصُّ بالنص القرآني الذي بين يديه؛ فهو يَعبَث أحيانًا بتقسيمِ الآياتِ على حسبِ ما يَحلُو لهواه، مثلما فَعَل بآيةِ: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ... لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 221]؛ إذ قسَّمها إلى آيتينِ: الأولى: تبدأ من أوَّل الآيةِ، وتنتهي بقولِه - تعالى -: ﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾. والثانيةُ: من بعد ذلك إلى آخرِ الآيةِ "ص61 - 62". والسببُ؟ لا سببَ! هو كذلكَ، والسلام! وهو بهذا يَنتَهِك قداسةَ الوحيِ الإلهيِّ، وكان خليقًا به أن يُحَافِظ على النص ، وعنده في الهوامش متَّسعٌ للتعبيرِ عن كلِّ ما يُخَالِجه من شكوكٍ، وإن كان لا بدَّ من القولِ هنا: إن هذا الانتهاكَ ليس مقصورًا على "بلاشير"، فقد رأينا من قبله "سافاري"، و"مونتيه" يفعلانِ الشيءَ ذاتَه، وإن كان لا بدَّ من القول أيضًا: إن "بلاشير" - رغم قيام ما يَكتُبه عن القرآن على أساسِ أن النبي - صلي الله عليه وسلم - هو مؤلفُه - لم يَكتُب على غلافِ الكتاب مثلَهما أن مؤلفَه هو محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -. ومثالٌ آخرُ على هذا العبثِ يَجِدُه القارئُ في ص71؛ حيثُ يَجعَل قولَه - تعالى -: ﴿ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267]، وكأن هذا غيرُ كافٍ، فنَرَاه يَزِيد فيتَّهِم الآيةَ بأنها مُبهَمةٌ جدًّا، ذلك دونَ أن يوضِّح موضعَ الإبهامِ ولا سببَه. وحتى لو جَارَينَاه في هذه الدعوى التي تَفتَقِر إلى التحديدِ والبرهانِ، وقلنا: إنه أعجميٌّ - وليس الأعجميُّ في فهمِ القرآنِ كالعربيِّ - فأين ذهَبت كتبُ التفسيرِ؟ ألم يَجِد فيها ما يُذهِب ما في الآيةِ من غموضٍ، وبخاصَّةٍ أنها ليست من الآياتِ التي تَختَلِف في تفسيرِها الآراءُ كما يَحدُث أحيانًا في بعضِ آياتِ القرآنِ؟ وهذا العبثُ لم يَقِف عند عدمِ احترامِ تقسيمِ الآيات القرآنية الذي يلتزمه المسلمون، بل جَاوَزه إلى تقديمِ بعضِ الآياتِ أو تأخيرِها عن مواضعِها في المصحفِ الشريفِ؛ بناءً على تعلاَّتٍ واهيةٍ كما حدَث عندما أوردَ الآيةَ الحاديةَ عشرةَ - وهي الثانيةَ عشرةَ عنده - من سورة "النساء": ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ... ﴾ [النساء: 11]، عقبَ الآيةِ الثامنةِ - وهي التاسعةُ حسبَ تقسيمِه - التي تَنتَهِي بقولِه - تعالى -: ﴿ نصيبًا مَفْرُوضًا ﴾ [النساء: 7]. أما التاسعةُ والعاشرةُ - وهما عنده العاشرةُ والحاديةَ عشرةَ - فمكانُهما في ترجمتِه متتابعتينِ بين السادسةِ والسابعةِ. وهو لا يكلِّف نفسَه أن يشرحَ لنا سببَ هذا التلاعبِ المخلِّ إلا في جملةٍ قصيرةٍ حاسمةٍ، كأنها القدَر الذي لا يناقشُ ولا يُردُّ؛ فهو يقولُ عن هاتينِ الآيتينِ الأخيرتينِ "ص105 - هـ الآية 10 ": "هذه الآيةُ والتي بعدها تَرتَبِطانِ بالآيةِ السابقة"، وهذا كلُّ ما هنالك. على أيَّةِ حالٍ، فهذا أفضلُ مما فعله "ص340 – 341 "بالآيات 62 - 63 - 64 " عنده: 65 – 66 - 67 "من سورة "طه"؛ إذ نَزَعها من موضعِها وأَقحَمها بين الآية 60 - عنده "61" - والتي بعدها، دونَ أن يتنَزَّل من علياءِ سمواتِه؛ ليشرحَ لنا سرَّ هذه النزوةِ الغربيةِ. أما الآيتانِ [14 – 15] من سورةِ لقمانَ: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ *... * فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾، فيرى أنهما تَعتَرضانِ سياقَ وصايا لقمانَ لابنِه، ولذلكَ يَنبَغِي أن تنتقلا من مكانِهما؛ بحيث تأتيانِ قبلَ هذه الوصايا "انظر ص437 - هـ آية 13". والحقيقة أن "بلاشير"، في غمرةِ تنقيبِه عن الأخطاء الموهومةِ، وأخذِه الأمورَ مأخذًا سطحيًّا، قد غَفَل عن الرباطِ الوثيقِ الذي يشدُّ هاتينِ الآيتينِ إلى موضعِهما في المصحفِ الشريفِ. فوصايا لقمانَ هي نصائحُ أَبَويَّة استَخلَصَها الوالدُ من تجاربِ حياتِه، وأُولاها: عدمُ الشركِ باللهِ؛ لأنه ظلمٌ عظيمٌ. وهنا نَسمَع توجيهًا إلهيًّا للأبناءِ أن يُحسِنوا إلى آبائهم وأن يردُّوا لهم الجميل، ومعنَى ذلك: أن على الأبناءِ - إذا ما نصحهم آباؤهم كنصيحةِ لقمانَ لابنِه - أن يُصْغُوا بآذانِهم وقلوبِهم إلى ما يقولونَ، ولكن قد يكونُ الآباءُ هم أنفسُهم الكفرةَ المشركين، كما كان الحالُ أحيانًا في بدايةِ الدعوة الإسلامية، فماذا يَفعَل الأبناءُ حينئذٍ؟ إنَّ عليهم - كما توضَّح الآيةُ الثانيةُ من هاتينِ الآيتينِ - أن يفرقوا بين احترامِهم لآبائهم وإحسانِهم إليهم جزاءَ ما فَعَلوه لهم، وبين مشايعتِهم إيَّاهم في آرائهم ومواقفِهم. وبعدَ ذلك يعودُ القرآنُ، فيستأنفُ وصايا لقمانَ لابنِه التي تدورُ حولَ: الإيمانِ باللهِ، ووجوبِ الخضوعِ له، والتواضعِ للناس؛ مما يَنسَجِم مع ما دَعَت إليه الآيتانِ اللتانِ يَرَاهما "بلاشير" مُقحَمَتينِ على السياقِ من الشكرِ للهِ والتواضعِ للآباءِ. وهو حينَ يصلُ إلى الآيةِ التاليةِ: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ﴾ [الزخرف: 69]، يقدِّمها على الآيةِ التي تَسبِقُها، "انظر ص523". ويَبدُو أنه يظنُّ أن الاسمَ الموصولَ في هذه الآيةِ لا يُمكِن إلا أن يكونَ نعتًا لـ﴿ الْمُتَّقِينَ ﴾، ولذلك جَعَلهما متعاقبينِ، مع أن المفسِّرين قد أَعرَبوا: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ فيما أعربوا، نعتًا للمنادى في قوله - تعالى -: ﴿ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ [الزخرف: 68]، وإن كنتُ مع ذلكَ لا أَستَبعِد أن يردَّ "بلاشير" بأن النعتَ قد فُصِل بينه وبين منعوتِه بجملةِ: ﴿ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾؛ لأن هذا - فيما أرجِّح - هو وجهُ اعتراضِه الأصلي؛ إذ كيف يُفصَل بين المنعوتِ - الذي هو في رأيه - ﴿ الْمُتَّقِينَ ﴾، وبين نعته ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، على حسبِ فهمِه فيما أرجِّح "؟ وهو اعتراضٌ يقومُ على أساسِ تبسيطِ الأسلوِب تبسيطًا طفوليًّا، وكأنه لا يَنبَغِي أن يوجدَ في تركيبِ الكلامِ: تقديمٌ، أو تأخيرٌ، أو اعتراضٌ، أو التفاتٌ؛ مما يخرج الكلامَ عن المعهودِ، خالعًا عليه بذلك جدَّة ورونقًا، ومصيبًا القارئ بهزةٍ توقظُه أو على الأقلِّ تَزِيده يقظةً. على أنه - في عبثِه الذي يَهدِف إلى إطفاءِ هالةِ القداسةِ المحيطة بالنص القرآني - لا يَرعَوِي عند هذا الحدِّ، بل تسوِّل له نفسُه أحيانًا أن يُضِيف إلى القرآنِ ما ليس منه، كما فَعَل في الآية [52 من سورة الزخرف]؛ إذ أضافَ كلمةَ "anterieurement: قبلاً"، بعد قولِه - تعالى -: ﴿ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ﴾ [الشورى: 52]. لا أنكِر أنه قد نصَّ في الهامشِ على أن المصحفَ المعتَمَد يَخلُو من هذه الإضافةِ، التي كانت مع ذلك موجودةً في مصحفِ ابن مسعودٍ وأُبَيِّ بن كعبٍ" ص517 - هـ آية 52"، ولكن ربما كان من الممكنِ الادِّعاءُ بأنه احتاجَ إلى إضافةِ هذه الزيادةِ لو كان النص بدونِها غيرَ واضحٍ، أما والنصُّ بهذا الإشراقِ الناصعِ، فلا يُمكِن تسويغُ ما فَعَل، وليس مستطاعًا فهمُه إلا على أنه إساءةٍ متعمَّدةٍ إلى القرآنِ الكريمِ. • • • • فإذا ما انتَقَلنا إلى الترجمة نفسِها، فأوَّل ما نُلاحِظُه هو ترجمتُه لكلمةِ "الرَّحْمَن" بـ "Le Bienfaiteur"، وهي ترجمةٌ غيرُ دقيقةٍ؛ إذ إن معنَى الكلمةِ الفرنسيةِ "المُحسِن، أو المُنعِم، أو وَلِي النِّعمة، أو ما شَابَه ذلك". كذلك فإنه يُمكِن استعمالُها للبشرِ، أما "الرَّحْمَن" فمقصورةٌ على اللهِ - سبحانه - انظر: "لسان العرب"، و"محيط المحيط"، و"المعجم الوسيط"، وغيرها. ثم إن معظمَ المترجِمينَ الفَرَنسيينَ قد اصطَلَحوا على ترجمةِ "الرَّحْمَن الرَّحِيم"بـ: "Le Compatissant , Le Misericordieux"، فكانَ المظنونُ - وقد عَدَل "بلاشير" عن هذه الترجمةِ الشائعةِ - أن تكونَ ترجمتُه أفضلَ، لكن الواقعَ غيرُ ذلك. ولا نكادُ نَقلِب صفحتينِ من ترجمتِه حتى نَجِده - كغيره من المستشرقينَ الذين يظنُّون أنفسَهم أهلاً للتصدِّي، لا لترجمةِ القرآنِ وحَسْب، بل لتخطئتِه أيضًا: صرفًا، ونحوًا، وعقيدةً، وتاريخًا... إلخ - يُخطِئ هذا الخطأ الفاحشَ؛ إذ لا يُدرِك أن ﴿ أَلَا ﴾ في قولِه - تعالى -: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ﴾[البقرة: 12]، و﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ ﴾ [البقرة: 13]، هي للاستفتاحِ، فيُتَرجِمُها بـ: "أَلَيسُوا هم...؟" ص31"، فتأمَّل! وهو ما فَعَله كذلك في ترجمتِه لقولِه - سبحانه -: ﴿ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 18]؛ إذ قال ما معناه: "أَلَيسَت لعنةُ اللهِ على الظالمينَ؟ "ص248"، وهو توجيهٌ للعبارةِ لا تَعرِفه العربيةُ. وربما كان السببُ في هذا الخطأ المُضحِك أن "بلاشير" قَرَأ ما وَرَد في بعضِ كتبِ التفسير عند شرحِ ﴿ أَلَا ﴾ في آيةِ سورةِ "البقرة" من أن هذه الكلمةَ مركبةٌ من همزةِ الاستفهامِ وحرفِ النفيِ؛ فظنَّ أنها للاستفهامِ، غافلاً عن تتمةِ الشرحِ التي وردت فيها وظيفةُ هذا الحرفِ، وهي إعطاءُ معنَى التنبيهِ على تحقُّق ما بعده، انظر: الزمخشري، والنَّسَفِي، والبَيضَاوِي مثلاً، وإن كان آخرونَ لا يأخذونَ بهذا الشرحِ، بل يؤكِّدون أنَّ ﴿ أَلَا ﴾ ليست مركبةً من الاستفهامِ والنفيِ، بل هي حرفٌ مستقلٌّ يُسْتفتَحُ به الكلامُ للتنبيهِ على تحقُّق ما بعده، انظر: تعليق صاحب "الإنصاف" على شرحِ الزمخشريِّ في الموضعِ ذاتِه "في الهامش"، وانظر أيضًا: "حاشية الصاوي على الجلالينِ" عند تفسير الآيةِ ذاتها. أما ترجمتُه للفظةِ "كَبِيرَة" في قولِه - تعالى - بشأنِ تحويلِ القبلةِ من بيت المَقدِس إلى الكعبة: ﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ [البقرة: 143]، بـ "grand peche" ص49"، فهو خلطٌ شنيعٌ بين "كبيرة" صفةً - كما هي مستعملة في الآية - و"كبيرة" اسمًا بالمعنَى الذي فَهِمه هذا الخبيثُ، أو بالأحرى لَوَى رقبةَ الكلمةِ إليه. وفي ترجمةِ قولِه - عز وجل -: ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ [البقرة: 143]، يقول "ص49": "Allah ne pouvait faire se perdre voter foi"، نافيًا الفعلَ "pouvoir: يستطيع - يَقْدِر" الذي جَعَله في صيغة الـ "imparfait: الماضي المستمر"، وهو ما يَعنِي: "لم يَكنِ الله يَستَطِيع أن يُضِيع إيمانَكم"، مرتكبًا بذلك خطئينِ في وقتٍ واحدٍ: الأول: نَفيُه القدرةَ عن اللهِ، ولا أَدرِي كيف فَهِم هذا المعنَى من الآيةِ الكريمةِ. والثاني: أنه جَعَل زمنَ ذلك في الماضي، بينما تركيبُ الكلامِ في الآيةِ لا يتقيَّد بزمنٍ معينٍ. ولا يقلُّ عن ذلكَ خطأ ترجمتُه لقوله - تعالى -: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ ﴾ [هود: 117]، على النحو التالي "ص257 ": "Ton Seigneur n'etait pas capable..."، والملاحظُ أنه ترجَم مثلَ هذا التركيبِ في مواضعَ أخرى هكذا: "Allah n' est point tel quil..."، انظر: ترجمتَه لـ: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ [الأنفال: 33] "ص105"، هكذا: "Il n'est point d'Allah de..." وكذلك ترجمتَه لـ: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ... ﴾ [التوبة: 115]، ص229". وأظنُّ أنه في ترجمةِ آيتَي سورتَي "البقرة" و"هود"، كان يَستَطِيع أن يَستَعمِل الفعلينِ "يُضِيع" و"يُهلِك" في صيغةِ الشرطِ، هكذا: "fairait perdre - ferait perir". وهو في أحيانٍ كثيرةٍ لا يَقرَأ جيدًا ما تحتَ بصرِه، من ذلك: أنه يُتَرجِم ﴿ أَوْ ﴾ في قولِه - تعالى -: ﴿ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا... ﴾ [البقرة: 182]، إلى "et"، وهي واو العطفِ عند الفرنسيين، انظر ص54". كما أنه يَقرَأ ﴿ أُحِلَّ ﴾، وهي فعلٌ ماضٍ مبنِيٌّ للمجهولِ، في قولِه - سبحانه -: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187] - وبالمناسبة فرقمُ الآيةِ عنده هو [183] - على أنها "أُحِلُّ" فعلاً مضارعًا مسندًا لضميرِ المتكلِّم، ومن ثَمَّ يترجِمُها على هذا النحو: "Je declare pour vous licite de.. "ص55 ". ومع أن "بلاشير" وأمثالَه لا يُقدِمون على ترجمةِ القرآنِ إلا وقد تدرَّعوا له بأكداسِ المعاجمِ والتفاسيرِ ودوائرِ المعارفِ، فمن الواضحِ أنه في أحيانٍ كثيرةٍ لا يَقدِر على الانتفاعِ بها، فها هو ذا يَعجَز عن فهمِ قولِه - سبحانه -: ﴿ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ﴾ [آل عمران: 13]؛ إذ يُترجِمُه هكذا: "A vue d'oeil , ils se voyaient a nombre egal" ص70 – 77". وكأن هذه الغلطةَ المخزيةَ غيرُ كافيةٍ، فنَرَاه يُترجِم النصَّ حرفيًّا - كما يتوهَّم - في الهامشِ على النحو التالي: "Ils se voyaient semblables". والمعنَى - على حسبِ هذه الترجمةِ - هو أن الطائفتينِ تتراءيانِ متماثلتينِ، وهذه معنًى خاطئٌ تمامًا لا يَقبَله النص على أيِّ تخريجٍ. ورَحِم الله مفسِّرينا القُدَامى الذين قلَّبوا هذا العبارةَ القصيرةَ على كلِّ ما تَحتَمِله من وجوهٍ، فلم يَرِد فيها هذا التخريجُ العجيبُ. ومنْ فهمِه الذي استقاه - لا أَدرِي من أين - ترجمتَه لقولِه - تعالى -:﴿ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ﴾ [آل عمران: 46] - وهي عنده رقم 41 - على هذا النحو: "Il parlera aux homes au berceau , comme un vieilleard"، رغم أنه قد نص في الهامشِ على أن الآيةَ تقولُ: "et en viellard: وكهلاً "، فلِم عَدَل عن هذا إلى ذاكَ؟ "انظر: ص81، وانظر: أيضًا ترجمتَه الخاطئةَ للعبارةِ المشابهةِ في الآية [110، من سورة "المائدة"]، ص149 ". أما الآية الكريمة التالية: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا... ﴾ [آل عمران: 64]، فإنه يترجِمُها بما يَجعَل معناها: "كلمة سواء بيننا وبينكم هي أننا - مثلكم - لن نعبد إلا الله... إلخ " ص84 "، وكأن أهلَ الكتابِ هنا هم الأصلُ الذي يَنبَغِي احتذاؤه في التمسكِ بالوحدانيةِ، فيَعِدُهم المسلمون بأن يتمسَّكوا بالتوحيدِ تمسُّكَهم به. وفي هذا - كما هو واضحٌ - قلبٌ للحقائقِ التاريخيةِ، لكن إذا كان قُصارَى جهدِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - وأتباعِه أن يَسِيروا على دربِ أهلِ الكتابِ، فلِمَ كان الدينُ الجديدُ إذًا؟ إن الضمير في ﴿ نَعْبُدَ ﴾، و﴿ لَا نُشْرِكَ ﴾ يعودُ على الطرفينِ: المسلمينَ وأهلِ الكتابِ، وطبعًا ليس معنى دخولِ المسلمينَ تحت هذا الضميرِ أنهم كانوا يَعبُدونَ غيرَ الله، وإنما هو لونٌ من ألوانِ الحِجاجِ المهذَّب الرقيقِ الذي لا يُرادُ به إفحامُ الخصمِ، بل كسبُ قلبِه باللِّين والحسنى، وهو أسلوبٌ يتَّبعه القرآنُ أحيانًا كما في قوله - تعالى -: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [سبأ: 24]، وذلك بدلاً من تنفيرِ الخص مِ منذ الوهلةِ الأولى بكشف عوارِ منطقِه؛ إذ يلجأُ المجادِلُ اللبقُ إلى الإبهامِ باستخدامِ ضمير المتكلِّمين وإدخالِ نفسِه من ثَمَّ في الأمرِ؛ فلا يتعيَّن بذلكَ المخطئُ تعيُّنًا صريحًا. وفضلاً عن هذا الخطأ الفاحش نَرَاه - في تعليقِه على هذه الآيةِ نفسِها في الهامشِ - يَشرَحُ المقصودَ بـ ﴿ أَهْلَ الْكِتَابِ ﴾ هنا، فلا يُورِد إلا رأيينِ: أنهم يهودُ المدينةِ وحدَهم، أو أنهم اليهود والنصارى معًا، ثم يضعِّف الرأي الثاني متجاهلاً الرأيَ الثالثَ، الذي يقرِّر أن ﴿ أَهْلَ الْكِتَابِ ﴾ في هذه الآية هم النصارى فقط، ومتجاهلاً أيضًا أنه إذا كان اليهودُ داخلينَ في ﴿ أَهْلَ الْكِتَابِ ﴾ في هذه الآيةِ، فمن بابِ الأولى يَنبَغِي أن يكونَ النصارى مندرجينَ فيها هم أيضًا؛ لأن الشركَ في عقيدتِهم أظهرُ. والآن انظر إلى هذا الكيدِ الخبيثِ الخَفِي الذي لا يُحسِنه إلا "بلاشير" وأمثال "بلاشير". إنه يترجِم قولَه - تعالى -: ﴿ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [آل عمران: 72]. بما يؤدِّي المعنَى على أيَّةِ حالٍ، إلى هنا ولا غبارَ على ما فعل، إلا أن الدسَّ يبدأُ بعد أن فرغَ من نقلِ الآيةِ كما هي موجودةٌ في القرآن إلى الفرنسية؛ إذ يُضِيف بين معقوفتينِ هذه الكلماتِ الثلاثَ: "de leur erreur"، التي تَجعَل المعنى: "لعلَّهم يَرجِعون عن ضلالِهم " ص85 "، كلماتٌ ثلاثٌ، ولكنها كحُمَةِ العقرب فيها السمُّ ناقعًا. ووجهُ الخبثِ في هذه الإضافةِ التي تبدو للعينِ العَجلى وكأنها فضلُ توضيحٍ من الكاتب لمعنى الآية، أنها تصوِّر اليهود على أنهم كانوا مقتنعينَ بأن الرسول- صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه على ضلالٍ، فهل من العقلِ يا ترى أن يلجأَ مَن هو مقتنعٌ بأنه على حقٍّ وأن أعداءه على باطلٍ في قضيةِ الكفرِ والإيمانِ، ويُرِيد أن يهديَهم إلى الخيرِ أن يَلجَأ إلى هذا الأسلوبِ القذرِ الذي يدبِّره اليهودُ بليلٍ؛ أملاً منهم في أن يَلْبِسوا على المسلمينَ أمرَ دينِهم فيَنصرِفوا عن الدعوةِ الجديدةِ وصاحبِها؟ ثم إن المعروفَ عن القرآنِ أنه لا يُهَاجِم غيرَ المسلمينَ لمجرِّد أنهم لم يَدخُلوا الإسلام، بل يصبُّ هجومَه على مَن استبان لهم وجهُ الحقِّ، فَعَانَدوا وتآمَروا، فكيف يُهَاجِم هذه الطائفةَ من أهلِ الكتابِ ويَفضَح أضغانَهم، ويَرمِيهم بأنهم حَسَدة حَقَدة لا يُطِيقُون أن يَرَوا النبوَّة في غيرِهم من العالَمين، كما تَنطِق بذلك الآية التي تَتلُو آيتَنا هذه؛ إذا كانوا مقتنعينَ هذا الاقتناعَ كلَّه بأنهم على حقٍّ والمسلمين على باطلٍ؟ لقد كان موقفُه منهم حينئذٍ خليقًا أن يكونَ أهدأ وأرقَّ من ذلك كثيرًا؛ بهدفِ تشجيعِهم على معاودةِ التفكيرِ فيما هم مؤمنونَ به، وفي الدعوةِ الجديدةِ، وتوجيهِهم إلى دلائل صدقِها. وهذا مثالٌ آخرُ على علمِ ذلك المستشرقِ - الذي بتأليفِه كتابًا في نَحْوِنا لطلبتِه في فَرَنسا يظنُّ أنه فعلاً يَعرِف النحوَ العربِيَّ. إنه يقرأُ مثلاً الآيةَ التاليةَ التي تَطلُب من الرسول - عليه السلام - مقاطعةَ مجالسِ الكفرِ التي يُستَهزَأ فيها بآياتِ اللهِ، ثم تُضِيف بعد ذلك: ﴿ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68]، فماذا يفعل؟ إنني أتخيَّله، وهو يعصر ذهنَه على النحو التالي: "آه، هذه نونُ توكيدٍ، وهذا الفعلُ يدلُّ على النسيانِ؛ إذًا فالنسيان مؤكَّد، والشرطُ ينصبُّ على المستقبلِ؛ إذًا فهناك نسيانٌ مؤكَّد سوف يَقَع في المستقبلِ، ومادام الفاعلُ هو ضميرُ المخاطبِ، والمخاطبُ هو الرسولُ؛ فالنسيانُ سيقعُ حتمًا من الرسولِ، طيب، وماذا نفعلُ بالشرطِ الذي يَربِط الجملتينِ؟ بسيطة، نُلْغيه، المهمُّ أن نَجعَل الشيطانَ يُنْسِي الرسولَ بالتأكيدِ ما نَهَاه الله عنه. أما الجملةُ الثانيةُ، "فلها رب اسمه الكريم"، وتستقلُّ بنفسِها، ونُبْدِي في فهمِها وترجمتِها ما نشاءُ من ضروبِ الجهلِ، ويكون الكلامُ بالتالي هكذا: "Assurement le Demon te fera oublier "cett prescription ". Apres les avoir edifie , ne reste point avec les injustes ". ومعناه: "ولَيُنْسينَّك الشيطانُ هذا النهيَ، وبعد تذكيرِ القومِ الظالمينَ لا تَقعُد معهم" ص159". أما كيف سيُمكِنه - عليه السلام - تذكيرُ القومِ الظالمينَ بعد أن يكونَ هو نفسُه قد نَسِي فحَلُّ هذا "اللوغاريتم" عند مستشرقِنا اللَّوْذَعِي العبقري، بارك اللهُ لنا فيه، وأكثر من أمثاله! ومما يؤكِّد أن هذه ليست غلطةً عابرةً، أنك تَجِدُ هذا الفهمَ الخاطئَ قد تكرَّر في ترجمتِه لقولِه - عز وجل -: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأعراف: 35]، وانظر: ص179 أيضًا. وبرغم أن القرآن يحدِّد الثلاثين والأربعين التي واعدها الله موسى - عليه السلام - بأنها ثلاثونَ ليلةً زادت عشرَ ليالٍ؛ فتمَّت أربعينَ ليلةً [الأعراف 142]؛ فإن "بلاشير" يرفضُ إلا أن يُترجِمَها بـ "ثلاثين يومًا، وأربعين يومًا"؛ ذلك أنه لا يُقِيم وزنًا لأمانةِ العلمِ فيما يتعلَّق بالنصِّ ، الذي إذا لم يكن هو يقدسُه، فمئاتُ الملايين غيرِه تفعل. لقد كان الله - سبحانه - قادرًا على أن يميِّز الثلاثينَ والأربعين بأنها أيامٌ، لكنه لم يَفعَل؛ وإذًا وَجَب ترجمةُ ما هو مكتوبٌ أمامنا، وللمفسِّرين في سرِّ التمييزِ بالليالي رأيٌ مؤدَّاه: أن موسى صَامَ هذه المدَّة ليلَها ونهارَها، فحتى لا يظنَّ ظآنٌّ أن الصومَ كان مقصورًا على الأيامِ فقط، جَعَل الله - تبارك وتعالى - التمييزَ بالليالي، وفي الحقيقةِ أنا لا أستطيعُ أن أَعرِف مدى صحةِ هذا الكلام، ولكنِّي أَستَشهِد بالآيةِ الكريمة التي تتحدَّث عن إرسالِ اللهِ ريحًا صرصرًا على قومِ عادٍ: ﴿ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ﴾ [الحاقة: 7]؛ ففيها إشارةٌ واضحةٌ إلى أن ﴿ لَيَالِي ﴾ مدة ما، ربما لا تتطابقُ عددًا مع أيامِها، وإذًا فأربعونَ ليلةً قد تكونُ تسعةً وثلاثين يومًا، وقد تكونُ واحدًا وأربعينَ، وربما كانت المواعدةُ بين موسى - عليه السلام - وربِّه تتمُّ ليلاً فقط، مَن يدري؟ أيًّا ما يكن مقطعُ الحقِّ في هذا كلِّه، فإن ترجمةَ الليالي بـ "jours " خطأ صراحٌ، انظر: ص191 - الترجمة والهامش، وانظر أيضًا: ص35 - هـ الآية 138". وعند ترجمتِه لقولِه - تعالى -: ﴿ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا ﴾ [الأعراف: 203]، يدَّعي أن المفسِّرين المسلمين غيرُ متأكِّدينَ من معنَى ﴿ اجْتَبَيْتَهَا ﴾، وأنه من ثَمَّ رَكَن في ترجمتِها إلى حدسِه. والواقع أنه ترجَم الفعلَ إلى "inventer"، وهو قريبٌ من المعنى الذي ذَكَره المفسرون، وهو "اختَلَقتَها"، وإن كان بعضُهم يقولُ أيضًا: إن معنى العبارةِ: "لولا اقتَرَحتَها على ربِّك"؛ أي: أنه لم يأتِ بشيءٍ من عنده لا حدسًا ولا استنتاجًا، بل اعتمد أشيعَ ما ذَكَره المفسِّرون للفعلِ من معنى، هذه واحدة، والثانيةُ أنه جَعَل ﴿ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ ﴾: "وَإِذَا أَتَيتَهم بآيةٍ..."؛ فقَلَب النفيَ إثباتًا. أما الثالثة، فإنه تَرجَم: ﴿ لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا ﴾، بما معناه: "أَلَم تَكُن لتجتبيَها؟ أو بأسلوبِنا العصريِّ: "ألم تكن ستجتبيها؟ "ص200"، ماسخًا بذلك الآيةَ مسخًا شنيعًا؛ إذ أصبَحَت هكذا: "وإذا أَتَيتَهم بآيةٍ، قالوا: أَلَم تَكُن ستَجتَبِيها "أو ستَختَرِعها"؟، فهل لذلك من معنًى مفهومٌ؟ وكأنه كان يحسُّ بتخبطِه في فهمِ الآيةِ، فبَادَر فأَلقَى التهمةَ على رؤوسِ المفسِّرين. الملاحظُ أنه في المواضعِ الأخرى التي وَرَد فيها تركيبُ "لولا فعلتَ كذا وكذا!"، قد تَرجَمه ترجمةً صحيحةً، انظر مثلاً: ترجمتَه لـ: ﴿ لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ... وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا ﴾ [النور 12 – 13، 16]، وكذلكَ: ﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ ﴾ [النمل: 46]. وهو لا يَكتَفِي بإلقاءِ التهمِ الجزافيةِ على كواهلِ المفسِّرين، بل لا يتورَّع أيضًا عن أن يغيِّر في القرآنِ؛ بحجةِ أن عبارةَ النص الأصليِّ غيرُ مناسبةٍ، والواقعُ أن هذا غرورٌ؛ إذ يظنُّ أنه - وهو الفَرَنسِي الأَعجَمي - من دونِ ملايينِ المسلمينَ الذين قَرَأوا القرآنَ ودَرَسُوه على مدى الأربعةَ عشرَ قرنًا الماضية - قد اكتشف مثلاً أن كلمة ﴿ أَمَانَاتِكُمْ ﴾ في قوله - تعالى -: ﴿ لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ﴾ [الأنفال: 27]، غيرُ مناسبةٍ، فبدَّلها سيادتُه إلى "أَمَانَتِكم" بصيغةِ الإفرادِ، وتَرجَمها إلى "la confiance " ص204 - الترجمة والهامش". إن الإسلامَ قد كلَّف أتباعَه بأماناتٍ شتَّى لا بأمانةٍ واحدةٍ، فما وجهُ الصعوبةِ في هذا، وبخاصةٍ أن هناك تفاسيرَ لم تَغفُل توضيحَ سببِ استخدامِ صيغةِ الجمعِ هنا؟ "انظر مثلاً: "الوجيز للواحدي"، و"حاشية الصاوي على الجلالين". وفي "محيط المحيط: "أن" الأمانةَ كلُّ ما فُرِض على العبادِ"، وقد فَرَض اللهُ على عبادِه فروضًا مختلفةً؛ فالأماناتُ متعدِّدة إذًا، ولا غرابةَ في جمعِها. والأماناتُ في الآيةِ الكريمةِ، هي الأمانةُ المفروضةُ على المسلمِ تُجَاه ربِّه، وتلك المفروضةُ عليه نحوَ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، وكذلكَ أمانته تلقاءَ أهلِه، وهكذا... وعلى كلِّ مسلمٍ أن يتحرَّز غايةَ التحرُّز من خيانةِ إحدى هذه الأماناتِ، فما الغرابةُ في ذلكَ؟ لقد نَزلَت هذه الآيةُ في واحدٍ من المسلمينَ أَفشَى أَحَد أسرارِ الدولةِ الجديدةِ لأعداء الإسلامِ؛ فأساء إلى هذه الأماناتِ جميعًا. ويَبدُو أن "بلاشير" قد كَشَف عن معنى لفظةِ "أمانة" في معجمٍ "عربِيٍّ فَرَنسيٍّ"؛ فوَجَدها مفردةً تَعنِي "loyaute "، ولكنَّها حين تُجمَع يُذكَر قبالتَها "de – pots"، ووَجَد أن "أمانات" بمعنى "depots" لا تَستَقِيم مع السياقِ الذي يتحدَّث عن خيانةِ اللهِ وخيانةِ رسولِه، ولا يتَّسع للأماناتِ بمعنَى "الودائع التي يَأتَمِن عليها الناسُ بعضُهم بعضًا". ثم إنه أحيانًا ما تفوتُه التفرقةُ بين شياتِ المعنى المختلفةِ، فمثلاً عبارةُ: ﴿ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30]، تدلُّ على أن الأفضليةَ هنا مطلقة، وكان يَنبَغِي - من ثَمَّ - أن تُترجَم هكذا: "Allah est le meilleur des machinateurs"، أما الترجمةُ التي أوردها "بلاشير" على النحو التالي: "Allah est meilleur en Sa machination"، " ص205" من غيرِ "le " قبل "أفعل التفضيل"، فإنها تدلُّ على أقلِّ كثيرًا من المقصودِ؛ إذ تعنِي أنه شديدٌ جدًّا في مكرِه، ولكن من غيرِ إطلاقٍ. وهو حين يَعتَرِض على تفسيرِ المفسِّرين لكلمةِ ﴿ بَرَاءَةٌ ﴾ [التوبة: 1] بـ "التبرؤ" يدلُّ على لجاجةٍ؛ فهو يؤكِّد أن هذا المعنَى يَتَعارَض مع سماحِ الآيةِ الثانيةِ من السورةِ للمشركين بأن يَسِيحوا في الأرضِ أربعةَ أشهرِ" انظر ص212 - هـ الآية 1". ولعلَّه يَستَغرِب كيف يتبَرَّأ اللهُ ورسولُه من المشركينَ، ثم يَسمَح لهؤلاءِ المشركينَ أنفسِهم بالضربِ في الأرضِ آمنينَ طوالَ هذه المدَّة؟. ومقطعُ الرأيِ أنه لا تعارضَ بين هذا وذاك، فأنتَ لا تنبذُ العهدَ الذي بينك وبين فلانٍ لتنقضَّ عليه في التوِّ واللحظة وتقتلُه، وإنما لا بدَّ من فترةِ سماحٍ، كذلك فقد فَاتَته نبرةُ التهديدِ الواضحةِ في الآيةِ ذاتِها: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 2]، وما تنص عليه الآيةُ الخامسةُ مما ينتظرُ هؤلاءِ المشركينَ بعد مرورِ الأشهرِ الأربعة: ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ... ﴾ [التوبة: 5]، ويَنبَغِي أن يكون مفهومًا أن المشركينَ المقصودينَ هنا هم المشركونَ الذي كان بينهم وبين المسلمينَ عهدٌ ثم نَكَثوه، أمَّا الذين لم يَنقُضوا عهدًا، فإن عهدَهم باقٍ إلى نهايةِ مدَّته، كما تقولُ الآيةُ الرابعةُ. وفوق ذلك كلِّه، فإنَ الآيةَ الثالثةَ قاطعةٌ - برغم لجاجةِ هذا المستشرقِ - في الدلالةِ على أن البراءة هنا معناها "التبرؤ"، وإلا فما معنى: ﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة: 3]. إن اعتراضَه على تفسيرِ المفسِّرين المسلمينَ لكلمةِ ﴿ بَرَاءَةٌ ﴾ [التوبة: 1] في ضوءِ هذه الآيةِ - يبيِّن أنه لا يُدرِك أنها والآيةَ الثانيةَ تعالجانِ الموضوعَ نفسَه، وليس هذا بغريبٍ من "بلاشير"؛ فإن له في هذا البابِ لغرائبَ. وهو يتحذلقُ قليلاً عند "واو" ﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ ؛ فيدَّعي أن جملتَي ﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾، و﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾، هما مجرَّد جملتينِ متجاورتينِ لا عطفَ بينها؛ أي: إن "الواو" يَنبَغِي حذفُها، هكذا يقرِّر هذا العلامة النحرير، ثم يَحذِف من ترجمتِه هذه الواوَ؛ محاولةً منه للإساءةِ إلى النص القرآني؛ إذ يُوحِي بهذا الحذفُ أن تلك "الواو" قد زِيدت، أو على الأقلِّ أن أسلوبَ القرآنِ من الرداءةِ؛ بحيث يَأتِي هو الأعجمي ويُصلِحه بعد أربعةَ عشرَ قرنًا على مقتضى ذوقِه، الذي لا يُدرِك أن تتابعَ جملتَي ﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾، و﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ من غيرِ واوِ عطفٍ، هو السخفُ والفجاجةُ عينُها، "انظر: ص212 - ترجمة الآية 2". وهو يترجمِ ﴿ النَّسِيءُ ﴾ في قوله - سبحانه -: ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ﴾ [التوبة: 37] بـ "le mois intercalaire"، وهذا خطأ فاحشٌ لم يشأ هو أن يَمُرَّ بسلامٍ؛ فأفاضَ في الشرحِ والمقارنةِ - "ص218 - هـ الآية 37" - بما يُفِيد أن "النسيءَ" هو شهرٌ كانت تضيفُه العربُ آخرَ كلِّ سنةٍ قمريةٍ؛ حتى يأتِيَ الحجُّ في فصلٍ بعينِه من فصولِ العامِ، وهو يُقارِن هذا الصنيعُ بما يَفعَله اليهودُ في تقويمِهم؛ إذ يُضِيفونَ أيامًا في آخرِ العامِ كي يحلَّ عيدُ الفصحِ دائمًا في الربيعِ. والحقيقة، إن الإنسان ليحارُ في معرفةِ المصدرِ الذي استَقَى منه "بلاشير" هذا الفهمَ الغريبَ، وبخاصةٍ أن التفاسيرَ واضحةٌ في هذا، وسأَنقُل هنا عبارةَ الزمخشري، وهي تلخص ما وَرَد في التفاسيرِ الأخرى عن "النَّسِيء" كما كان يُمَارِسه العربُ في الجاهليةِ. يَقُولُ مفسِّرنا الكبيرُ: "النَّسِيءُ تأخيرُ حرمةِ الشهرِ إلى شهرٍ آخرَ"، لاحِظ أن النَّسِيء هو تأخيرُ حرمةِ الشهرِ، لا إضافةُ الشهرِ، فضلاً عن أن يكونَ هو "الشهرَ المضافَ نفسَه: le mois intercalaire"، كما هو اجتهادُ "بلاشير" العجيب؛ ذلك "أنهم كانوا أصحابَ حروبٍ وغاراتٍ، فإذا جاء الشهرُ الحرامُ - وهم محاربونَ - شقَّ عليهم تركُ المحاربةِ، فيُحلُّونه ويُحرِّمون مكانَه شهرًا آخرَ، حتى رَفَضوا تخصيصَ الأشهرِ الحُرُم بالتحريمِ، فكانوا يحرِّمون من شهورِ العامِ أربعةَ أشهرٍ". والذي يَخرُج به قارئُ التفاسيرِ أن الشهرَ الذي كانوا يَتَلاعَبون به هو "المحرَّم"، فكانوا يُحلُّونه ويُحرِّمون "صفَرًا" بدلاً منه، ومرَّة كانوا يَرجَعُون فيحرِّمون "المُحرَّم" ويُحلُّون "صفَرًا"، فأين هذا مما يَزعُمه "بلاشير" من أن هناك دلائلَ قويةً تَبعَث على الظنِّ بأن الشهرَ المضافَ كانوا يُقحِمُونَه بين ذي الحجَّةِ والمحرَّم؟ وما هذه الدلائلُ القويةُ؟ وأين هي يا ترى؟ وفضلاً عن ذلك كلِّه، فالمعاجمُ "العربية - الفرنسية" لا تفسِّر "النَّسِيء" على هذا النحوِ "البلاشيري" العجيب. وها هو ذا معجمُ "الفرائد الدرية" مثلاً، يقرِّر - في عبارةٍ لا تحمل لَبْسًا - أن "النَّسِيءَ هو "mois des Arabes ou la guerre est interdite"؛ وذلك بعد أن ذكَر أن من معانيه "retard , delai". كذلك يُخطِئ هذا المتحذلقُ فهمَ قولِه - تعالى -: ﴿ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ [طه: 7]، إنه أولاً يفهمُ ﴿ وَأَخْفَى ﴾ بمعنى "الشيء المَخْفِي"، وهو ثانيًا يرى أنه يَنبَغِي أن يلتزمَ النص هنا، فيُتَرجِم العبارةَ كلَّها على النحوِ التالي: "يَعلَم السرَّ مهما يُخْفَ" ص338 "، وهذا نص عبارتِه: "Il sait le secret meme bien cache"، مع أن المعنَى، هو: أن اللهَ يعلَم السرَّ وما هو أشدُّ خفاءً من السرِّ، "انظر: هامش الآية السابقة في الصفحة المشار إليها". وهو يضطربُ ويتخبَّط أمامَ قولِ الحقِّ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الحج: 25]، ويبدو أن الآيةَ - لعدمِ جريانِ تركيبِها على أسلوبِ المستوى الأدنَى من الكلامِ والكتابةِ - قد أربكته، وكالعادةِ يشفعُ جهلَه بالتقولِ على المفسِّرين الذين يظنُّ أنهم ماداموا قد انتَقَلوا إلى جوارِ ربِّهم، فإنه يَستَطِيع أن يدَّعي عليهم ما يشاءُ بلا رقيبٍ ولا حسيبٍ، فهو يَزعُم أن "واو" ﴿ وَيَصُدُّونَ ﴾ قد خَلَقت لهم من المصاعبِ ما لم يَقدِروا على تخطِّيها" ص360 - هـ الآية 25". وعبثا تبحثُ في كلامِه عن أسماءِ هؤلاءِ المفسِّرين الذين عَجَزوا عن فهمِ هذه "الواو"، وجاء هو فَحلَّ المشكلةَ بأن أراحَ نفسَه وحذَف هذا الحرفَ، مما يمثِّل اعتداءً شنيعًا على النص القرآنِيِّ! وهو لم يَذكُر لنا وجهَ الصعوبةِ في هذه "الواو"، وربما كان يظنُّ أنه لا يصحُّ عطفُ "مضارعٍ" على "ماضٍ"، أو ربما حيَّره أنه لا يَجِدُ خبرًا مباشرًا لـ "إن" في: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الحج: 25]، وكلتا النقطتينِ قد بَحَثها المفسِّرون وقالوا: إن ﴿ يَصُدُّونَ ﴾ قد جاءَت بصيغةِ المضارعِ؛ لأن "الصدَّ" مستمرٌّ منهم، فهو غير مختصٍّ بزمنٍ معينٍ. وكذلك ذَكَروا أن خبرَ "إن" مفهومٌ من جوابِ الشرطِ في آخرِ الجملةِ: ﴿ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25]؛ أي: إنه إذا كان مَن يُرِيد في المسجدِ الحرامِ بإلحادٍ بظلمٍ سيُذِيقُه الله العذابَ الأليمَ، فمن بابِ الأولى سوف يذيقُ الكافرينَ الذين يَصُدُّون عن سبيلِه ومسجدِه الحرامِ من هذه الكأسِ، فأين الصعوبةُ إذًا؟ وهو تركيبُ الجملةِ التاليةِ: ﴿ قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * ... فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 93 - 94]، يَعجَز عجزًا تامًّا عن إدراكِ أن الجملةَ شرطيةٌ، مع أن كلَّ ما حَدَث هو أن حرفَ الشرطِ "إِنْ" قد دَخَلت عليه "ما"، أَتَعرِف كيف تَرجَم تلك الآية؟ لقد تَرجَمَها هكذا: "Dis: Seigneur! or ca! montre moi ce qui leur est promis! Seigneur! ne me place point parmi le peuple des injustes "انظر ص737 ". ومعنى هذا الكلامِ: "ربِّ، وَالآنَ أَرِنِي ما يُوعَدُون، ربِّ، لا تَجعَلنِي في القوم الظالمينَ"، وهذا طبعًا شيءٌ، ومعنَى الآيةِ شيءٌ آخرُ. وهو يَرفُض ما يقدِّمه المفسِّرون من شرحٍ لقوله - تعالى -: ﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ ﴾ [ص: 44]، على شبهة أن حَلفَ أيوبُ لَيَضرِبنَّ امرأتَه مائةً لا يتَّسِق مع قوله - سبحانه - قبل ذلك: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾ [ص: 41]، والحقُّ أني لا أفهم كيف لا يتسق هذا مع ذاك، وحتى لو كان "بلاشير" مُحقًّا في رفضِ ما أَتَى به المفسِّرون، فكيف ساغَ له أن يُتَرجِم: ﴿ فَاضْرِبْ بِهِ ﴾، بمعنى "فاستعمله"، شارحًا ذلك في الهامشِ: بأن الله قد أمره أن يأخُذَ حزمةً من العشبِ يُدَاوِي بها قروحَه، ومؤكدًا أنه اعتَمَد في هذه الترجمةِ على حدسِه [ص48 - هـ الآية 43]، أرأيتم إلى هذا الحدسِ الذي يفسِّر "اضرب به"، بمعنى "تَدَاوَ به"؟ ثم يَمضِي فيُتَرجِم: ﴿ لَا تَحْنَثْ ﴾ [ص: 44] بـ"لا تجدِّف: "ne plasphemez pas "، فهل كان أيوب - عليه السلام - يجدف؟ أيوب الذي مَدَحه الله بأنه كان "صابرًا، نِعْمَ العبدُ! إنه أوَّاب"؟ وفضلاً عن هذا، فإن شِنْشِنَة "بلاشير" في تمزيقِ أوصالِ الآياتِ وتقديمِ هذه وتأخيرِ تلك - لا تفارقه هنا؛ فقد رتَّب الآياتِ من جديدٍ، حتى أصبحَت كالآتِي: • ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾ [ص: 41]. • ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ص: 42]. • وخُذْ بيدك ضِغْثًا، فاستخدِمه ولا تجدِّف؛ ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ﴾ [ص: 44] • وردَدْنا﴿ لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 43] • ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ "تتمة الآية 44 ". ولهذا الرجلِ أشياءُ في منتهى العجبِ، وإلا فكيف ساغَ له أن يترجِم قولَه - عز وجل -: ﴿ فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ﴾ [الفتح: 11] بـ: "pardonne nous : فاغفِر لنا" ص543 ـ 544 "؟ هل في صياغةِ العبارةِ كلُّ هذا الغموضِ الذي يَجعَله يُخطِئ هذا الخطأ الذي لا يُغفَر؟ لقد طَلَب المخلَّفون من الأعرابِ من الرسولِ الكريمِ - عليه أزكي الصلاة والسلام - أن يَستَغفِر اللهَ لهم، فأتَى هذا المستشرقُ الأمين - والأمين جدًّا - وجَعَلهم يَلتَمِسون من الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - أن يَغفِر هو لهم. كذلك ترجَم: ﴿ مَاءٍ مَعِينٍ ﴾ [الملك: 30] بـ "une eau pure: ماءٍ صافِ " ص607". ألم يقرأ ما قاله المفسِّرون في شرحِ هذا اللفظ، وأنه "الماء الجارِي على سطح الأرضِ، بحيث تنالُه الأيدي بسهولةٍ"، وذلك في مقابلِ "غَوْرًا"؟ وفي "الفرائد الدرية": الماءُ المَعِين، هو: "qui jaillit a la surface de la terre "source "وانظر أيضًا: ترجمتًه لـ ﴿ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ﴾ [الصافات 45] "ص476"، و[الواقعة 18] "ص572". ونحن حين نَعتَرِض على ترجمةِ "الماء" من حيث كدورتُه أو نقاؤه، لكنها امتنَّت على عبادِ اللهِ بأنه - سبحانه - قد سهَّل لهم الحصولَ على هذا العنصر الحيويِّ في حياتِهم، والذي لولاه ما كانت حياةٌ أصلاً، بأن أَجرَاه لهم في الأنهارِ والتُّرَع، وبَجَسَه عيونًا، بل أَقدَرهم على استنباطِه من باطنِ الأرضِ، بحيث يُرَى في نهايةِ المَطَافِ فوق سطحِها، وتنالُه أيديهم في يسرٍ؛ فكان لزامًا على هذا المستشرقِ ألا يتصرَّف في الآية على هذا النحوِ الذي أخرجها عن دلالتِها إلى شيءٍ آخرَ سكتت عنه، ولم تتعرَّض له. منقول . يتبع الجزء الثاني . ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك المصدر: شبكة ومنتديات همس الأطلال شبكة ومنتديات همس الأطلال Network Forum whispered ruins - من قسم: أطلال الحكاية ( يحكى أن. ) p]de hglsjavr fghadv uk hgrvNk ( 1 ) > |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدليلية (Tags) |
المستشرق, القرآن, بلاشير, حديث |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
فيفاء وبني مالك بعدسة المستشرق هاري سانت جون فيلبي | سهارى | أطلال قبائل فيفاء العام ( تمنع مواضيع الوفيات والتعازي | 2 | 12-08-2013 12:50 AM |
لوحات الرسام النمساوي المستشرق لودفيغ دوتش | رجل وادي القمر | أطلال علم الفن التشكيلي Plastic Art | 1 | 02-21-2013 03:06 PM |
حديث الجساسة . | المتوكل | أطلال الصوتيات والمرئيات واليوتيوب الإسلامي | 0 | 02-13-2013 12:13 AM |
حديث الجمعه .. | نيروز | أطلال إيمانية عامة | 5 | 03-11-2011 08:08 PM |
حديث الأطلال | مطلع الشمس | فضاءات وآفاق بلا حدود . | 2 | 10-11-2010 09:50 PM |
Add Ur Link | |||
منتديات همس الأطلال | دليل مواقع شبكة ومنتديات همس الأطلال | مركز تحميل همس الأطلال . | إسلاميات |
ألعاب همس الأطلال | ضع إعلانك هنا . | ضع إعلانك هنا . | ضع إعلانك هنا . |