الإخوة الأعضاء الكرام : الرجاء في حال وضع صور في المنتدى أن يكون رفعها على مركز الرفع الخاص بالمنتدى وهو موجود في صندوق الموضوع المطور أو ضمن الإعلانات النصية الموجودة أسفل المنتدى ، لأن ذلك يسهم في سرعة المنتدى وأدائه ، وشكراً لكم على كرم تعاونكم || كن بلا حدود ولا تكن بلا قيود .|| إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا . || قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك . || الإرهاب .. لا دين له || |





أطلال الشخصيات المشهورة وأحداث رسخت في صفحات التاريخ .. خاص بعظماء العالم وتاريخهم لا يقتصر على زمن أو تاريخ معين أو عصر من العصور . Particular Bazme world and their history is not limited to a specific time or date or age of the ages.

الإهداءات

المنصور .. محمد بن أبي عامر .

. نشأة ابن أبي عامر هو محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري، وكان جدُّه عبد الملك

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 08-11-2011

مطلع الشمس غير متواجد حالياً
Saudi Arabia     Male
قـائـمـة الأوسـمـة
الإبداع

وسام

الحضور الدائم

كاتب شامخ

لوني المفضل Darkgreen
 رقم العضوية : 7
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5301 يوم
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (10:58 AM)
 الإقامة : جدة
 المشاركات : 6,043 [ + ]
 التقييم : 63
 معدل التقييم : مطلع الشمس will become famous soon enough
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي المنصور .. محمد بن أبي عامر .




.

نشأة ابن أبي عامر



19809_image002.jpg


هو محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري، وكان جدُّه عبد الملك المعافري من العرب الفاتحين الذين دخلوا الأندلس مع طارق بن زياد -رحمه الله، فنزل بالجزيرة الخضراء في جنوب الأندلس، واستقرَّ بها، وكان والد المنصور (عبد الله بن عامر) من أهل الدين والعفاف والزهد في الدنيا والقعود عن السلطان، وقد مات في مدينة طَرَابُلُس الغرب وهو عائد من أداء فريضة الحج، وأمه هي بُرَيْهَة بنت يحيى من قبيلة بني تميم العربية المعروفة.

نشأ محمد بن أبي عامر في هذا البيت نشأة حسنة، وظهرت عليه النجابة منذ نعومة أظافره، وقد سار على خطى أهله وسَلَك سبيل القضاء؛ فتعلَّم الحديث والأدب، ثم سافر إلى قُرْطُبَة ليُكمل تعليمه.

ابن أبي عامر في قصر الخلافة

كان ابن أبي عامر ذا طموح كبير وهمة عالية وذكاء وقَّاد، وعمل كاتبًا للقاضي محمد بن إسحاق بن السليم، الذي رأى من نبوغه ما جعله يوصي به عند الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي، وكان من تصاريف القدر أن وَلدت صبح البشكنسية –جارية الخليفة الحكم المستنصر- ولدها الأول عبد الرحمن فطلب الحكم المستنصر وكيلاً لولده عبد الرحمن، يقوم على ولده ويرعاه، فرشَّح الحاجب المصحفي هذا الفتى النابه محمدَ بن أبي عامر لذلك، وأثنى عليه عند الحكم المستنصر، فولاه الحكم المستنصر وكالة ابنه عبد الرحمن بالفعل سنة (356هـ).

وقد أُعجب الحكم المستنصر بأخلاق محمد بن أبي عامر، وذكائه ونباهته وحُسن تصرُّفه، كما بهره هذا النبوغ العلمي الذي يحوزه ذلك الشاب، ولقد كان الحكم –كما سبق- عالمًا وخبيرًا بالأنساب ومؤرخًا، فلا شَكَّ أن هذا كان من أهم أسباب تقريبه لابن أبي عامر وحبِّه إيَّاه.

توفي عبد الرحمن طفلاً صغيرًا، ثم لم يلبث أن ولدت صبح ولدها الثاني هشامًا، فتولَّى وكالته -أيضًا- ابن أبي عامر سنة (359هـ)، ولم يلبث أن تدرَّج في المناصب العليا، فعُيِّنَ أمينًا لدار السكة، وكُلِّفَ بالنظر على الخزانة العامة وخُطة المواريث، ثم أصبح قاضيًا لإِشْبِيلِيَة ولبلة، ثم عَيَّنه مديرًا للشرطة الوسطى، ثم ولاَّه الأمانات بالعدوة، فاستصلحها واستمال أهلها، ثم عينه الحكم قاضي القضاة في بلاد الشمال الإفريقي، وأمر عماله وقوَّاده هناك ألا يقطعوا أمرًا إلاَّ بمشورته، ثم عينه الحكم المستنصر ناظرًا على الحشم وهو في مرض موته.

ومن المدهش في أمر محمد بن أبي عامر أنه لم يتولَّ عملاً إلاَّ وأداره ببراعة وكفاءة فاقت براعة سالفيه، رغم أنه دونهم في السنِّ والخبرة، وأنه كانت تزيد عليه المناصب والتكاليف فيستطيع أن يجمع بينها مهما اختلفت وتكاثرت ويُبْدي –بعد كل هذا- مهارة فائقة في الإدارة والتصرف، رغم أن الدولة كانت في عصرها الذهبي؛ أي أن الأعمال كانت في الغاية من التفنن والدقة، وتتطلب خبرة وإتقانًا.
وكان مما ساعد محمد بن أبي عامر على أن يصل إلى هذه المراتب العالية بهذه السرعة –بجانب هذه المواهب النادرة- أنه استطاع استمالة «صبح البشكنسية» أمَّ هشام المؤيد، وجارية الحكم المستنصر، بحُسن خدمته لها ولابنها، وسعة بذله في الهدايا التي كان يُهديها دائمًا إليها، فأتاها بأشياء لم يُعهد مثلها؛ حتى لقد صاغ قصرًا من فضة وقت ولايته السكة، وصرف فيه مالاً جسيمًا، حتى جاء بديعًا، لم تَرَ العيون أعجب منه ولا أحسن، ثم حُمل إليها من دار ابن أبي عامر؛ ليُشاهده الناس جميعًا، في مشهد لم يُعهد ولم يُرَ مثله من قبلُ.

على أن الحكم المستنصر لم يكن غائبًا عن هذا كله، فيُحكى أن الحكم المستنصر ظنَّ أن محمد بن أبي عامر يُتلف مال السكة (وزارة المالية) المؤتَمن عليه، فأمره الحكم بأن يُحضر المال الذي عنده ليراه بنفسه، ويتأكَّد من كماله، ويُقال: إن ابن أبي عامر كان قد استهلك بعضًا من هذه الأموال؛ ولذلك ذهب إلى الوزير ابن حدير ليُسلفه المال الناقص -وكان صديقًا له- فأسلفه ابنُ حدير المال الناقص، فعرف الحكم أنه قد أساء به الظنَّ، وزاد إعجابُ الحكم بأمانة ابن أبي عامر وحُسن تدبيره، ورفع قدره عنده، وبمجرَّد أن تأكَّد الحكم من عدم نقصان المال، أعاد ابن أبي عامر إلى الوزير ابن حدير مالَه، وهو مع هذا كله يُحسن معاملة الحاجب (رئيس الوزراء) جعفر بن عثمان المصحفي ويُداريه ويطلب منه دائمًا النصح والمشورة .

بعد وفاة الحكم المستنصر، وبعد القضاء على مؤامرة الصقالبة، ثم على قوة الصقالبة ونفوذهم في القصر، صفا الحال لحزب هشام بن الحكم المؤيد بالله، وهذا الحزب -كما سبق وقلنا- متمثِّل في الحاجب المصحفي، وأم الخليفة الصغير صبح البشكنسية، وهي الشخصية القوية في القصر، التي كانت أحب نساء الحكم إليه وأحظاهن عنده. ثم ابن أبي عامر الشخصية القوية التي تتولَّى العديد من الأعمال، والتي يتكئ عليها جعفر المصحفي في كل عمل مهم، وهو كذلك متصل بصبح باعتباره كان وكيلاً لولدها هشام –الذي هو الخليفة الآن- ثم تولَّى النظر على شئون الخاصة.

بين محمد بن أبي عامر وصبح البشكنسية

تذكر المصادر التاريخية أن حبًّا عظيمًا نشأ بين صبح وبين محمد بن أبي عامر، وأن هذا الحب كان ذا سهم كبير –بجانب كفاءة ابن أبي عامر- في ترقيه في مناصب الدولة، ثم في الأمور التي ستأتي فيما بعد، والحقُّ أن أمرًا كهذا لا يمكن القطع به على سبيل اليقين، وإن لم يكن مستبعدًا، فصبح شابَّة جارية كانت عند الخليفة الذي كان في مرحلة الكبر، بينما ابن أبي عامر شاب يشتعل ذكاء وحسنًا، ومقدرة على تصريف الأمور، ثم هو يتقرَّب إليها بين الحين والحين بالهدايا الفاخرة.

إلاَّ أن كل هذا لا يدفعنا للتيقُّن من وجود هذا الحب، فضلاً عن أن ندخل فيما حرَّم الله -كما فعل البعض- فنتوقَّع ما وراء هذا مما يُجاوز الحلال إلى الحرام؛ ذلك أن كل ما حدث وما سيأتي يمكن أن يُفَسَّر في إطار المصلحة المشتركة؛ ابن أبي عامر لا عصبة له ولا عائلة يتكئ عليها، فلا بُدَّ له من وجود هشام في منصب الخليفة؛ ليبقى هو في مكانته من الدولة، وصبح جارية بشكنسية فلو لم يكن ولدها في منصب الخليفة لما كان لها شأن يُذْكَر، إلى جانب ما رُكِّب في الأُمِّ من غريزة حب الولد، التي تجعلها تجاهد ما استطاعت ليكون ولدها هو الخليفة سيد البلاد.

ففي هذه اللحظة من تاريخ الأندلس كان في المشهد ثلاث شخصيات قوية: المصحفي الذي يتكئ على عصبته «المصحفيين»، وابن أبي عامر يتكئ على صبح والخليفة ومواهبه الفائفة، وصبح التي تتكئ على ولدها الخليفة وعلى ولاء محمد بن أبي عامر. ثم نُضيف إلى هؤلاء شخصية قوية رابعة ألا وهي شخصية فارس الأندلس الكبير وصاحب التاريخ الجهادي الزاهر غالب الناصري.

وكان غالب الناصري لا يحب المصحفي، ولا يراه أهلاً لأن يكون شيخَ الموالي دونه؛ ذلك أن المصحفي ليس له سابقة جهاد ولا تاريخ، كما أنه معروف بالبخل، ولم يَتَرَفَّع في مناصب الدولة إلاَّ لأنه كان -قديمًا- مُعَلِّمًا ومُرَبِّيًا للخليفة الحكم لَمَّا كان ولي العهد، فلمَّا تولى الحكم الخلافة عَهِدَ إليه بمنصب الحجابة.

هجمات النصارى على الأندلس

19809_image003.jpg

ثم وقع بالأندلس حادث خطير؛ إذ ما أن علم نصارى الشمال بوفاة الحكم المستنصر، وجدوا الفرصة سانحة لنقض كلَّ ما كان بينهم وبينه من عهود ومواثيق، وشرعوا يُهاجمون الثغور الإسلامية هجمات عنيفة، بغرض الثأر من المسلمين وإضعافهم؛ فلا يجدون فرصة لاستجماع قواهم من جديد، ولا يجد حاكمهم الجديد -أيضًا- الفرصة لتوطيد مُلكه؛ فيستطيع من بعدُ أن يُوَجِّه لهم الضربات العنيفة التي اعتادوها في عهد الحكام الأقوياء؛ ومن هنا فقد اشتدَّت هجمات نصارى الشمال على الثغور الإسلامية، بل وتخطّوها حتى كادت حملاتهم تصل إلى قُرْطُبَة عاصمة الخلافة الإسلامية في الأندلس.


وكأنَّ ضعف الخليفة الصغير قد انسحب على رجال الدولة جميعًا، فلم يُقدم أحد على كفاح النصارى وردِّهم، ولا يجدون أحدًا يتقدَّم لهم؛ فغالب الناصري في مدينة سالم -وهي إحدى الثغور- يقول بأنه لا يستطيع ترك المدينة؛ وإلاَّ هوجمت. وبعض التحليلات تقول بأنه لم يشأ الخروج لملاقاة العدوِّ ليُحْرِج المصحفي، ويُثَبِّت قدره ومكانته في الدولة.

والمصحفي متردد خائر الرأي، ليس له عزيمة، ولا يدري ماذا يفعل، وهو يجبن عن الخروج لملاقاة العدوِّ، بل بلغ به الأمر -بالرغم من قوة الجيش الذي تركه الحكم المستنصر، ووفرة المال والسلاح والعتاد- أن أمر أهل قلعة رباح بقطع سدِّ نهرهم؛ ظنًّا منه أن هذا قد يُنجيهم من ضربات النصارى المتلاحقة.

وهكذا بدت هذه الدولة القوية وكأنما ستعاني وتسقط جراء خلافات رجالها، وصغر سن خليفتها، وضعف وتردُّد حاجبها ومتولِّي إدارتها.

وهنا.. نهض للأمر محمد بن أبي عامر، الذي أَنِف من تصرُّف المصحفي، ووجد فيها إعلانًا بالضعف والصغار، وكأن البلاد قد خلت من الرجال، فلا يجدون رجلاً يقود الجيوش القوية الموجودة بالفعل، فيلجئون إلى هذه الخطة الدفاعية الذليلة التي تضرُّ، وقد لا تنفع، فعرض محمد بن أبي عامر على الحاجب جعفر المصحفي أن يقوم بتجهيز الجيش للجهاد في سبيل الله، ولكن لم يجد المصحفي رجلاً يقود الجيش، فلقد جبنوا، فضلاً عن استحالة أن يقوم هو بنفسه بقيادة الجيش؛ فليست له خبرة بالجهاد من قبل، فبادر لهذه القيادة ابن أبي عامر، وقام باختيار مَنْ يخرج معه من الرجال، واحتاج في تجهيزه للجيش لمائة ألف دينار، فاستكثر ذلك بعض الحاضرين، فقال له ابن أبي عامر: «خُذْ ضِعْفَها، وامض! وليحسنْ غَنَاؤُك». فبُهت المعترض وسكت.

بروز نجم محمد بن أبي عامر

استعدَّ ابن أبي عامر لهذه الغزوة أفضل استعداد، وقاد الجند، وأخذ معه المال، وسار في رجب سنة (366هـ) إلى الشمال، وهرب من أمامه جيش النصاري، ثم استطاع الاستيلاء على حصن الحامة وربضه، وعاد إلى قُرْطُبَة بعد اثنين وخمسين يومًا من خروجه إلى الغزو محملاً بالسبي والغنائم، ففرح الناس بذلك فرحًا عظيمًا، وزاد حبُّهم وتقديرهم له؛ إذ استطاع بشجاعته وإقدامه رفع الذلِّ والعار عنهم، وكذلك أحبه الجنود الذين كانوا معه؛ لِمَا رأوا من كثرة جوده، وكرم عشرته، وشجاعته في الحرب، فأحبوه والتفُّوا حوله، وزاد هو إحسانًا إليهم.
وهكذا انتهت الغزوة الأولى لصالح المسلمين عامة، ولصالح ابن أبي عامر خاصة، ولم تفتر همة ابن أبي عامر بعد هذه الغزوة؛ بل سارع بهمة عالية إلى استغلال آثارها على كافَّة المستويات، وكانت هجمات النصارى التي تتابعت على الأندلس عقب موت الحكم، وسكوت غالب عن مواجهتها قد أضعفت مركز غالب بن عبد الرحمن وقَلَّلَتْ من شأنه.
محمد بن أبي عامر وغالب الناصري

عرف ابن أبي عامر ما في نفس غالب من العداوة للمصحفي، وبأنه يرى نفسه فوقه، ويُغضبه أن يكون المصحفي في الحجابة وفي مراتب الدولة، وهو الذي بلا تاريخ ولا سابقة، فسعى ابن أبي عامر للدفاع عن غالب عند الخليفة الصغير وأُمِّه، فرُفع بذلك قدره، وأُعطيَ لقب ذي الوزارتين، وأصبح هو وابن أبي عامر المسئولَيْنِ عن الإعداد للصوائف؛ فهو المسئول عن جيش الثغر، وابن أبي عامر المسئول عن جيش الحضرة (أي الجيش المكلف بالدفاع عن قُرْطُبَة)، وفي عيد الفطر من العام نفسه (366هـ) اتجه ابن أبي عامر بالجيش إلى الشمال، واجتمع ابن أبي عامر بغالب بن عبد الرحمن في مدينة مجريط (مدريد الآن)، واتجها بالجيش إلى قشتالة، وفتحا حصن مُولَة، وغنموا وسبوا كثيرًا، وكان غالب ورجاله قد أبلوا أحسن البلاء، حتى كانوا سببًا في هذا الفتح.

وكان غالب قد أحب ابن أبي عامر لما رآه من مواهبه، أو لما رأى من سعيه للدفاع عنه ورَفْع قدره عند الخليفة وأمه، ودوره في أن يُلَقَّب بذي الوزارتين، أو لما كان من العداوة بينه وبين للمصحفي؛ فمن ثَمَّ رأى أن ابن أبي عامر أحق بالحجابة من المصحفي.

أيًّا ما كان الأمر، لسبب مما سبق أو لكل هذه الأسباب معًا، فلقد توطَّدت العلاقة بين غالب الناصري ومحمد بن أبي عامر، إلى الحدِّ الذي تنازل فيه غالب عمَّا أبلاه وجنوده في الفتح، فنُسب ذلك كله إلى ابن أبي عامر، فأرسل الرسائل إلى قُرْطُبَة تُشيد بما كان منه ومن بطولته وجهاده، وعظم الفتح الذي تمَّ على يديه، ثم اتفقا على عزل المصحفي، ذلك الحاجب الضعيف المتردِّد الرأي، وقال غالب لمحمد بن أبي عامر: «سيظهر لك بهذا الفتح اسم عظيم وذِكْر جليل، يشغلهم السرور به عن الخوض فيما تُحدثه من قصة، فإيَّاك أن تخرج عن الدار حتى تعزل ابن جعفر عن المدينة وتتقلدها دونه!»؛ لأن ابن جعفر المصحفي كان متوليًا لقُرْطُبَة العاصمة، وعَزْل هذا الوالي أول طريق عزل المصحفي عن الحجابة.

عاد ابن أبي عامر إلى قُرْطُبَة ومعه الغنائم والسبي، فاستمال بهذا الفتح الكبيرِ العامةَ والخاصةَ، وعَرفوا فيه حُسن النقيبة، وبُعد الهمة، فما كاد يصل ابن أبي عامر إلى قُرْطُبَة حتى أمر الخليفة في اليوم نفسه بعزل محمد بن جعفر المصحفي عن مدينة قُرْطُبَة، وتولية ابن أبي عامر المدينة، فأظهر ابن أبي عامر في حُكم المدينة كفاءة منقطعة النظير؛ حتى إن ابن عذاري المراكشي يصف ما قام به بالنسبة إلى فعل ابن المصحفي فيقول: «فضبط محمد المدينة ضبطًا أنسى أهل الحضرة (أي قُرْطُبَة) مَنْ سلف من أفراد الكُفَاة[3] وأُولي السياسة، وقد كانوا قبله في بلاء عظيم، يتحارسون الليل كله، ويُكابدون من روعات طُرَّاقه ما لا يُكابد أهل الثغور من العدوِّ. فكشف الله ذلك عنهم بمحمد بن أبي عامر وكفايته، وتنزُّهه عما كان يُنسب لابن جعفر؛ فسدَّ باب الشفاعات، وقمع أهل الفسق والذعارات، حتى ارتفع البأس، وأَمِنَ الناس، وأمنت عادية المتجرِّمين من حاشية السلطان؛ حتى لقد عثر على ابن عم له يعرف بعسقلاجة؛ فاستحضره في مجلس الشرطة وجلده جلدًا مبرحًا كان فيه حمامه[4]؛ فانقمع الشرُّ في أيامه جملة»[5].

ولما رأى الحاجب جعفر المصحفي ما آل إليه أمر ابن أبي عامر من القوة، وما بدا من تضعضع قوته وانحسار نفوذه، بادر إلى استمالة غالب، فخطب ابنة غالب لابنه، وما أن علم ابن أبي عامر بالأمر، حتى أرسل إلى غالب يُناشده العهد، ويخطب ابنة غالب لنفسه، وسانده في ذلك أهل دار الخلافة، فخرج طلب خطبة أسماء إلى ابن أبي عامر من قصر الخلافة في الزهراء، وبهذا كان الميزان كله في صالح ابن أبي عامر، فوافق غالب على تزويج ابنته أسماء له، وتم عقد القران بالفعل في المحرم سنة (367هـ)، وعندها أيقن المصحفي بالنكبة، وكفَّ عن اعتراض ابن أبي عامر في شيء، وانفضَّ الناس عن المصحفي، وأقبلوا على ابن أبي عامر إلى أن صار المصحفي يغدو إلى قصر قُرْطُبَة ويروح وهو وحده وليس بيده من الحجابة سوى اسمها.

نهاية جعفر المصحفي

وبعد أن تمَّ عقد قران ابن أبي عامر على أسماء ابنة غالب، خرج ابن أبي عامر في غزوته الثالثة، فخرج إلى طليطلة في غرَّة صفر 367هـ، واجتمع مع صهره غالب، ونهضا معًا إلى الشمال النصراني، فافتتحا حصن المال، وحصن زنبق، ودخلا مدينة شلمنقة، واستولوا على أرباضها، ثم عاد ابن أبي عامر بالغنائم والسبي، وبعدد كبير من رءوس النصارى، بعد أربعة وثلاثين يومًا من خروجه، فزادت حفاوة الخليفة به، وقلده خُطَّة الوزارتين للتسوية بينه وبين صهره، ورفع راتبه إلى ثمانين دينارًا في الشهر، وهو راتب الحجابة في ذلك الوقت، ثم زُفت أسماء بنت غالب إلى محمد بن أبي عامر في ليلة النيروز من قصر الخليفة في عرس لا مثيل له في الأندلس، ثم قلَّده الخليفة خُطَّة الحجابة إلى جانب جعفر المصحفي، ثم تغيَّر الخليفةُ على جعفر وسخط عليه، وأمر بعزله هو وأولاده وأقاربه عن أعمالهم في الدولة، والقبض عليهم، فسارع محمد بن أبي عامر إلى محاسبتهم حتى استصفى كل أموالهم، ومزَّقهم كل ممزق، وأيقن جعفر المصحفي بأنه هالك لا محالة، فحاول استرضاء ابن أبي عامر إلاَّ أن ذلك لم يُجْدِ شيئًا، حتى توفي سنة (372هـ) في سجنه، وقيل: قُتل. وقيل: دست إليه شربة فيها سُمّ[6].

ويُعلِّق ابن حيان على ما آل إليه أمر جعفر المصحفي فيقول: «وكانت لله عند جعفر في إيثاره هشامًا بخلافته، واتباع شهوة نفسه وحظِّ دنياه، وتسرُّعه إلى قتل المغيرة لأول وهلة، دون قصاص جريرة استدركته دون إملاء، فسُلط عليه مَنْ كان قدر أن يتسلط على الناس باسمه»

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك




hglkw,v >> lpl] fk Hfd uhlv >





رد مع اقتباس
قديم 08-11-2011   #2



الصورة الرمزية مطلع الشمس
مطلع الشمس غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (10:58 AM)
 المشاركات : 6,043 [ + ]
 التقييم :  63
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkgreen
افتراضي رد: المنصور .. محمد بن أبي عامر .



الدولة العامرية (366-399هـ= 976-1009م)

.استقرَّ الأمر لمحمد بن أبي عامر؛ فلقد أضحى الحاكم الفعلي لبلاد الأندلس؛ فهو الحاجب القوي، الذي يسوس البلاد والعباد، ويغزو صيفًا وشتاءً فينتصر في كل معاركه مع النصارى، بينما الخليفة الذي كان صغيرًا يكبر على مهل، ولا يدري من حال مملكته شيئًا.

وقبض الحاجب محمد بن أبي عامر على أَزِمَّة السلطان في الدولة، وصار إليه الأمر والنهي والتولية والعزل، وإخراج الجيوش للجهاد، وتوقيع المصالحات والمعاهدات، حتى عُرِفَ ذلك العهد بعهد الدولة العامرية.

والدولة العامرية هي ذروة تاريخ الأندلس، وأقوى فتراتها على الإطلاق، ففيه بلغت الدولة الإسلامية الغاية في القوَّة، فيما بلغت الممالك النصرانية أمامها الغاية من الضعف، وقد بدأت فترة هذه الدولة فعليًّا منذ سنة (366هـ= 976م)، منذ أن تولى محمد بن أبي عامر أمر الوصاية على هشام بن الحكم، وظَلَّت حتى سنة (399هـ= 1009م)؛ أي: أنها استمرَّت ثلاثًا وثلاثين سنة متصلة، وتُعَدُّ الدولة العامرية مندرجة في فترة الخلافة الأموية؛ لأن الخليفة ما زال قائمًا، وإن كان مجرَّد صورة.

ابن أبي عامر وتوطيد حكمه

من الأهمية بمكان -ونحن نناقش فترة محمد بن أبي عامر- أن نتذكر أنه بلا عصبة، أي ليست وراءه عائلة يتقوى بها، وتتعصب له على نحو ما كان مهيَّأ للعائلات الكبيرة؛ كبني أمية وبني العباس في المشرق، وغيرهم من العائلات الأقل، ولنتذكر أن عامل «العصبية» هذا هو الذي كان يحكم كل العالم إلى ما قبل أن تنشأ الجمهوريات الحديثة، فكان لا بُدَّ للملك أو الحاكم أن تكون له عصبة ترفعه وتحميه ويتكئ عليها.

وحين دخل عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس استفاد من تناحر العصبيات العربية الكائنة فيها، فحاول التحالف مع القيسية، ثم تحالف مع اليمنية وبهم انتصر، ولقد كان الداخل بعيد النظر حين علم أنه إن أراد إقامة دولة للإسلام فلا بُدَّ له من أن يقضي على العصبيات، وأن يتخذ لنفسه رجالاً لا عصبية لهم، فأكثر –رحمه الله- من اتخاذ الموالي، الذين صار لهم الشأن الأكبر في عهد الإمارة الأموية، بينما تراجعت رجالات العرب، وابتعدت عنهم المناصب، وصاروا في الدولة في مكانة تشريفية؛ يحضرون المجالس ويُقَدَّمون في المناسبات، وما إلى ذلك.

وكذلك -أيضًا- فعل عبد الرحمن الناصر؛ فلقد أكثر من الاعتماد على البربر الذين عبروا إلى الأندلس من عدوة المغرب، ونستطيع أن نقول بأن نجاح الدولة الأندلسية كان من أهم أسبابه اختفاء العرب ذوي العصبيات من مناصب الحكم.

وكذلك فعل ابن أبي عامر؛ فلقد كان البربر عُدَّته ورجاله، ولقد استكثر منهم، وضمهم إليه واستقوى بهم، وكان ابن أبي عامر قد تولى قضاء عدوة المغرب في أيام الحكم المستنصر، وساهم بذكائه وحسن سياسته في جعل أهم قبائل البربر المغربية -وهم بني برزال، وزعيمهم جعفر بن حمدون- يتخلَّوْن عن تحالفهم مع العبيديين (الفاطميين)، وينحازون بالولاء إلى قُرْطُبَة عاصمة الأمويين، وكان من نتائج هذا أن فقد العبيديين (الدولة الفاطمية) المغرب الذي خلص من بعد للأمويين[1].

فالآن نحن أمام رجل ذكي موهوب، حسن السياسة، يتولَّى حكم الأندلس فعليًّا باسم الخليفة الغلام هشام المؤيد بالله، وصحيح أن الأندلس قد خلت من الرجال الأقوياء، الذين يبلغون منافسته في الحكم –اللهم إلا فارس الأندلس العظيم غالبًا الناصري، وهو صهره الآن وعلاقتهما طيبة وبينهما تحالف- إلاَّ أن هذه السياسة تجعله في خطر من بني أمية، الذين يرون الملك باسمهم، ولكن فعليًّا ليس بأيديهم، وكذلك المصحفيين الذين نُكبوا وزالت سطوتهم بزوال الحاجب جعفر المصحفي.

وبعد قليل سيظهر في الأفق خصم شديد الخطر عظيم الذكاء، إنها صبح، أُمُّ الخليفة هشام، والتي سترى أن الخلافة تخرج من بين يدي ولدها، وأن ابن أبي عامر يُسيطر بنفسه على الأمور.

مدينة الزاهرة


كما أنشأ عبد الرحمن الناصر -رحمه الله- مدينة الزهراء في الشمال الغربي من مدينة قُرْطُبَة؛ لتكون مركزًا لخلافته، قام محمد بن أبي عامر بإنشاء مدينة ملوكية جديدة في شرق قُرْطُبَة سمَّاها مدينة الزاهرة أو مدينة العامرية، بدأ في بنائها عام (368هـ)، وانتقل إليها بعد اكتمال بنائها في (370هـ)، نقل إليها الوزارات ودواوين الحُكم، وأنشأ له قصرًا كبيرًا هناك، حتى أصبحت مدينة الزاهرة أو مدينة العامرية هي المدينة الأساسية في الأندلس وبها قصر الحُكم[2].
وكان إنشاء هذه المدينة يُحَقِّق هدفين مهمين؛ الأول: هو الابتعاد عن مناطق الخطر والمؤامرات حيث مواطن الأمويين، وحيث قصر الخليفة وأمه، ومن غير المأمون أن تُدَبَّر عليه مؤامرة بيد الأمويين أو مواليهم أو بعض فتيان القصر. والثاني: هو ترسيخ وتثبيت شأنه في الدولة، وخطوة على طريق الانفراد بشئون الدولة وإدارتها.

قدوم جعفر بن حمدون

استدعى ابن أبي عامر (في عام 370 هـ) فارس المغرب وزعيم بني برزال جعفر بن حمدون، وقد ذكرنا أنه قد كانت بينهما صلة قديمة منذ كان ابن أبي عامر قاضيًا في المغرب، فنزل جعفر إلى الأندلس وقربه ابن أبي عامر ورفع من قدره، ولا شَكَّ أن في هذه الخطوة تقوية لمركز وقوة ابن أبي عامر، فجعفر فارس كبير وشخصية قوية، ثم هو زعيم البربر الذين سيزداد ولاؤهم لابن أبي عامر بنزول زعيم منهم في كنفه، وأن يصير من رجال الدولة وفرسانها.

إلاَّ أن هذا النزول وهذه النتائج لم تكن بالتي تغيب عن ذهن فارس الأندلس غالب الناصري، والذي رأى في وجود جعفر منافسة له، بل وربما تحديًا، يُثبت أن الدولة تستطيع الاستغناء عنه بغيره، وأنه لم يَعُدِ الوحيد المختص بجهاد العدوِّ، ولم يَعُد الدِّعامة التي يُستند إليها في مهمات الحرب الجليلة.

ولا شَكَّ أن ابن أبي عامر استفاد من درس الماضي القريب؛ حين كان المصحفي في الحجابة، وثار العدو بثغور الأندلس فلم ينهض إليهم غالب لإحراج المصحفي ولإثبات مكانته من الدولة، فأحب أن يتجنَّب تكرار هذه الأزمة، وتورد بعض الروايات أن غالبًا كان بالفعل «يستطيل على ابن أبي عامر بأسباب الفروسية، ويُباينه بمعاني الشجاعة، ويعلوه من هذه الجهة التي لم يتقدَّم لابن أبي عامر بها معرفة»[3].

ومن ثَمَّ ساء الجوُّ بين غالب وابن أبي عامر.. ووقع الحدث الخطير، وهو تمرد غالب الناصري.

تمرد غالب الناصري

خرج المنصور إلى غزوة من غزواته في الصوائف إلى قشتالة، فدعاه غالب الناصري إلى وليمة أقامها بمدينة «أنتيسة» وعزم عليه في حضورها، ولما ذهب ابن أبي عامر جرى بينهما نقاش واحتدَّ حتى «سبَّه غالب وقال له: يا كلب؛ أنت الذي أفسدت الدولة، وخربت القلاع، وتحكمت في الدولة. وسل سيفه فضربه»[4]. ولولا أن أحد الحاضرين أعاق يده فانحرفت ضربة السيف لكانت الضربة قد قتلت ابن أبي عامر، ولكن أصابته بشجٍّ في رأسه.

ولحسن حظِّه استطاع ابن أبي عامر أن يُلقي بنفسه من فوق القلعة، وأن ينجو من هذا المأزق الخطير بما فيه من إصابات، ثم عاد إلى قُرْطُبَة وقد استُعلنت بينهما العداوة.

جهز ابن أبي عامر جيشًا من قُرْطُبَة ثم سار به إلى ملاقاة غالب الناصري، وهنا وقع الفارس العظيم في خطأ قاتل، كان أسوأ خاتمة لحياة اتصلت ثمانين عامًا حافلة بالجهاد، لقد اتصل غالب الناصري براميرو الثالث ملك ليون، وطلب منه النجدة ضد جيش قُرْطُبَة، فأمده راميرو بجزء من جنده.

ويستطيع المرء أن يتخيَّل السعادة التي حازها راميرو حينما يجد الفارس الكبير الذي أذله وبلاده كثيرًا في موقف المستنجد به، ولعلَّه أمَّل في أن يكون هذا بداية تحالف طويل بينهما.

نهاية غالب الناصري

التقى الجيشان؛ جيش قُرْطُبَة يقوده ابن أبي عامر في القلب وعلى الميمنة فارس المغرب –الذي صار فارس المغرب والأندلس- جعفر بن حمدون، وعلى الميسرة الوزير أحمد بن حزم (والد الإمام الكبير ابن حزم) وغيره من الرؤساء، أمام جيش غالب الناصري ومعه جيش ليون.

ومع أن غالبًا الناصري كان قد بلغ الثمانين إلاَّ أنه هجم على الميمنة فغلبها ومزَّقها، ثم عاد وهجم على الميسرة فغلبها ومزَّقها، وما هو إلاَّ أن واجه القلب، وفيه ابن أبي عامر. وإنه من المثير حقًّا أن نشاهد هذا اللقاء بين الرجلين اللذين لم يُهزما حتى الآن، واللذين ستكون هزيمة أحدهما هي الأولى -وربما الأخيرة- في حياته، فيختم بها سجل تاريخه.

رفع غالب صوته قائلاً: «اللهم إن كنتُ أصلح للمسلمين من ابن أبي عامر فانصرني، وإن كان هو الأصلح لهم فانصره». ثم حدث أعجب ما يمكن أن يُتصور في هذا الموقف، ولولا أنه وصل إلينا من رواية صحيحة ثابتة لما صدقه أحد من المؤرخين[5]، لقد مشى غالب بفرسه إلى خارج الجيشين، فَظَنَّ الناس أنه يُريد الخلاء، ثم طال غيابه، فذهب بعض جنوده للبحث عنه فوجدوه ميتًا بلا أثر ولا ضربة ولا رمية، فعادوا بالبشرى إلى ابن أبي عامر.

وأراد الله أن يموت الرجلان ولم ينهزم أحدهما، ولعلَّه استجاب إلى دعاء غالب، فأبقى للمسلمين مَنْ هو أصلح لهم[6]، إلاَّ أن هذا الحادث المفاجئ أسفر عن تطور لم يتوقَّعْه أحد؛ إذ انحاز جيش غالب المسلم إلى جيش قُرْطُبَة فوقع جيش ليون في المأزق الكبير!

بقي أن نذكر -قبل أن نتجاوز قصة تمرُّد غالب الناصري- أن بعض المؤرخين يتوقَّع أن من أسباب تمرُّد غالب الناصري ما قد يكون تحريضًا من صبح أم الخليفة الفتى، التي بدأت ترى أن الملك يذهب من بين يدي ولدها.

غزو الممالك النصرانية

استدار جيش ابن أبي عامر -الذي انحاز إليه جيش غالب- ليواجها جيش ليون، لتبدأ غزوات الممالك النصرانية، التي استمرَّت بعدئذٍ سبعة وعشرين عامًا، وانتهت جميعها بالظفر للمسلمين.

قصد ابن أبي عامر إلى مدينة سمورة –التابعة لمملكة ليون- ليُعاقب ملكها راميرو الثالث، وحاصرها واستولى على ما حولها، وفرت أمامه الجيوش، حتى طلب راميرو المساعدة من غرسية صاحب قشتالة، وسانشو ملك نافار، وعقدوا تحالفًا ثلاثيًّا، وسارت الجيوش المتحالفة إلى لقاء جيش المسلمين فهُزموا شرَّ هزيمة، ثم زحف الجيش الإسلامي في خطوة بالغة الشجاعة إلى مدينة ليون عاصمة المملكة، ووصلوا فعلاً إلى أبوابها، إلاَّ أن نزول الشتاء والثلوج دفعا بالجيش إلى الرجوع دون إكمال فتح المدينة، فعاد الجيش إلى قُرْطُبَة، وكان ابن أبي عامر يحمل معه مفاجأة:

الحاجب المنصور

بعد عودة الجيش الإسلامي إلى قُرْطُبَة مكللا بهذا الظفر الكبير؛ القضاء على تمرُّد غالب الناصري، ثم هزيمة جيش ليون، ثم هزيمة جيوش النصارى المتحالفة، ثم الوصول إلى أبواب ليون، قام محمد بن أبي عامر (في سنة 371هـ=982م) باتخاذ لقب ملوكي، فلَقَّب نفسه بالحاجب المنصور، وقد كانت الألقاب من قبلُ عادة الخلفاء، ثم أصبح يُدعى له على المنابر مع الخليفة هشام بن الحكم، ثم نُقش اسمه على النقود وعلى الكُتب والرسائل[7].

ومن ذلك التاريخ عُرِف محمد بن أبي عامر بهذا اللقب: الحاجب المنصور (Al manzor).

كان عهد المنصور بن أبي عامر في الذروة من القوة والكفاءة، فعلى المستوى الخارجي جهاد دائم، يخرج المنصور مرتين في العام فينتصر، وعلى المستوى الداخلي فاض الأمن والرخاء، وبلغت الحضارة والمدنية آفاقها السامقة.

وكانت الدولة العامرية تحت السلطان الكامل للحاجب المنصور، ويختفي تمامًا ذكر الخليفة هشام، الذي ظلَّ حبيس قصره الفاخر في الزاهرة، لا يتولَّى من أمر الملك شيئًا؛ لذا تختلف الروايات التاريخية إلى حدِّ التضارب في حاله؛ فمن رواياتٍ تذكر أنه كان منصرفًا للعبادة مقبلاً على العلم كثير الإنفاق على المحتاجين[8]، إلى رواياتٍ أخرى تقول بأنه كان منصرفًا إلى اللهو والعبث ومجالسة الجواري والاهتمام بالتفاهات[9]، إلى روايات أخرى تصفه بالذكاء والحكمة والمروءة[10]، إلاَّ أنه كان مغلوبًا على أمره، ليس بيده شيء يمكنه به استرجاع ملكه في ظلِّ السيطرة الكاملة والشاملة للمنصور على مقادير الأمور.

بعد التمهيدات السابقة وفي الطريق نحو عهد جديد قام المنصور بن أبي عامر في سنة (381هـ=991م) بأمر لم يُعهد من قَبْلُ في تاريخ الأندلس؛ بل في تاريخ المسلمين، حيث عهد بالحجابة من بعده لابنه عبد الملك بن المنصور، وكان المشهور والمتعارف عليه أن يكون العهد بالخلافة، وأن يكون من الخليفة نفسه، ثم بعد خمس سنوات أي في سنة (386هـ= 996م) اتخذ لنفسه لقب الملك الكريم


 


رد مع اقتباس
قديم 08-11-2011   #3



الصورة الرمزية مطلع الشمس
مطلع الشمس غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (10:58 AM)
 المشاركات : 6,043 [ + ]
 التقييم :  63
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkgreen
افتراضي رد: المنصور .. محمد بن أبي عامر .



المنصور ابن أبي عامر .. المجاهد الذي لا يهزم

تولَّى محمد بن أبي عامر الحُكم منذ سنة (366هـ= 976م) وحتى وفاته –رحمه الله- في سنة (392هـ= 1002م)، وقد قضى هذه المدَّة في جهاد دائم لا ينقطع مع ممالك النصارى في الشمال، مع حسن إدارة وسياسة على المستوى الداخلي، حتى صارت الأندلس في عهده في ذروة مجدها

غزوات المنصور ابن أبي عامر



غزا محمد بن أبي عامر في حياته أربعًا وخمسين غزوة، لم يُهزم أبدًا في واحدة منها، بل كان الأغرب من ذلك هو أن يصل في فتوحاته إلى أماكن في مملكة ليون وفي بلاد النصارى لم يصل إليها أحدٌ من قبلُ، بل لم يصل إليها الفاتحون الأوائل؛ مثل: موسى بن نصير وطارق بن زياد، فقد وصل الحاجب المنصور إلى منطقة الصخرة؛ تلك المنطقة التي لم تُفتح من قِبَل المسلمين من قبلُ، واستطاع –رحمه الله- أن يغزو النصارى في عقر دارهم، وها هو ذا قد وصل إلى خليج بسكاي والمحيط الأطلسي في الشمال، وفي كل هذه الغزوات لم تنكسر له فيها راية، ولا فلَّ له جيش، ولا أُصيب له بعث، ولا هلكت سرية[2].

وكان من المتعارف عليه قبل ذلك أن الجهاد في الصوائف فقط، إلاَّ أن الحاجب المنصور كانت له في كل عام مرتان يخرج فيهما للجهاد في سبيل الله، عُرفت هاتان المرتان باسم الصوائف والشواتي.

غزوة شانت يعقوب

كانت أعظم هذه الغزوات قاطبة غزوة «شانت ياقب»، وشانت ياقب هو النطق العربي في ذلك الوقت لـ «سانت يعقوب» أي القديس يعقوب، وكانت هذه المدينة في أقصى الشمال الغربي من شبه الجزيرة الأيبيرية، وهي منطقة على بعدها الشديد عن أهل الأندلس في ذلك الوقت كانت شديدة الوعورة؛ ولذلك لم يصل إليها فاتح مسلم قبل المنصور بن أبي عامر، هذا بالإضافة إلى أن هذه المدينة على وجه التحديد كانت مدينة مقدسة عند النصارى، فكانوا يأتونها من مختلف بقاع الأرض ليزوروا قبر هذا القديس؛ حتى إن ابن عذاري المراكشي قال: إنها «أعظم مشاهد النصارى الكائنة ببلاد الأندلس وما يتصل بها من الأرض الكبيرة، وكانت كنيستها عندهم بمنزلة الكعبة عندنا؛ فبها يحلفون، وإليها يحجون من أقصى بلاد رومة وما وراءها»[3].

وكان ملوك نصارى الشمال كلما هاجم ابن أبي عامر عواصمهم فروا إلى هذه المنطقة القاصية الوعرة؛ يحتمون فيها من بأس المسلمين؛ ولهذا قرَّر ابن أبي عامر أن يذهب إلى هذه المدينة، وأن يحطم أسوارها وحصونها؛ ولِيُعْلِمَ هؤلاء أن ليس في شبه الجزيرة كلها مكان يمكنهم أن يحتموا فيه من بطش ابن أبي عامر.

وقصة هذه المدينة هي ما يُقال عن يعقوب صاحب هذا القبر، من أنه كان أحد حواريِّي سيدنا عيسى ابن مريم u الاثني عشر، وأنه كان أقربهم إليه u؛ حتى سموه أخاه u للزومه إيَّاه، فكانوا يُسَمُّونه أخا الرب –تعالى الله عمَّا يصفون علوًّا كبيرًا - ومنهم مَنْ يزعم أنه ابن يوسف النجار، وتقول الأسطورة أن صاحب هذا القبر كان أسقف بيت المقدس، وأنه جاب الأرض داعيًا إلى عقيدته حتى وصل إلى تلك الأرض البعيدة، ثم إنه عاد إلى أرض الشام، وقُتل بها، فلما مات نقل أصحابه رفاته إلى آخر مكان بلغه في رحلته الدعوية.

وفي صائفة سنة (378هـ) -وهي غزوته الثامنة والأربعون- قاد ابن أبي عامر قواته متجهًا بها نحو الشمال قاصدًا شانت ياقب، وفي الوقت نفسه بدأ الأسطول الأندلسي الذي أعده المنصور لهذه الغزوة تحرُّكَه من الموضع المعروف بقصر أبي دانس غربي الأندلس، وفي الطريق انضم إلى المنصور ابن أبي عامر عدد كبير من أمراء نصارى الإسبان؛ نزولاً على ما بينه وبينهم من معاهدات تُوجب عليهم أن يشتركوا معه في المعارك، ثم اتجه إلى شانت ياقب مخترقًا الطرق الجبلية الوعرة، حتى وصل إلى هذه المدينة، بعد فتح كل الحصون والبلاد التي في طريقه، وغنم منها وسبى، ثم وصل ابن أبي عامر إلى مدينة شانت ياقب ولم يجد فيها إلاَّ راهبًا بجوار قبر القديس يعقوب، فسأله عن سبب بقائه، فقال: أؤانس يعقوب. فأمر بتركه وعدم المساس به، وأمر بتخريب حصون هذه المدينة وأسوارها وقلاعها، وأمر بعدم المساس بقبر القديس يعقوب، ثم تعمق حتى وصل إلى ساحل المحيط دون أن يقف أمامه شيء، وكرَّ راجعًا، بعدما أنعم على مَنْ كان معه من أمراء النصارى بالمال والكساء كلٍّ على حسب قدره، ثم كتب إلى المسلمين يُبَشِّرهم بالفتح [4].

صور من جهاد المنصور ابن أبي عامر

يسير جيشا جرارا لإنقاذ نسوة ثلاث

جاء عن الحاجب المنصور في سيرة حروبه أنه سَيَّر جيشًا كاملاً لإنقاذ ثلاث من نساء المسلمين كنَّ أسيرات لدى مملكة نافار؛ ذلك أنه كان بينه وبين مملكة نافار عهد، وكانوا يدفعون له الجزية، وكان من شروط هذا العهد ألاَّ يأسروا أحدًا من المسلمين أو يستبقوهم في بلادهم، فحدث ذات مرَّة أن ذهب رسول من رسل الحاجب المنصور إلى مملكة نافار، وهناك وبعد أن أدَّى الرسالة إلى ملك نافار أقاموا له جولة، وفي أثناء هذه الجولة وجد ثلاث نسوة من نساء المسلمين في إحدى كنائسهم فتعجَّب لوجودهن، وحين سألهن عن ذلك قلن له: إنهن أسيرات في ذلك المكان.

وهنا غضب رسول المنصور غضبًا شديدًا، وعاد إلى الحاجب المنصور وأبلغه الأمر، فما كان من المنصور إلاَّ أن سيَّر جيشًا جرارًا لإنقاذ النسوة، وحين وصل الجيش إلى بلاد نافار دُهش ملك نافار، وقال: نحن لا نعلم لماذا جئتم، وقد كانت بيننا وبينكم معاهدة على ألاَّ نتقاتل، ونحن ندفع لكم الجزية. وبعزَّة نفس في غَيْرِ كبرٍ ردُّوا عليه: إنكم خالفتم عهدكم، واحتجزتم عندكم أسيرات مسلمات. فقالوا: لا نعلم بهن. فذهب الرسول إلى الكنيسة وأخرج النسوة الثلاث، فقال ملك نافار: إن هؤلاء النسوة لا نعرف بهن؛ فقد أسرهن جندي من الجنود وقد تمَّ عقاب هذا الجندي. ثم أرسل برسالة إلى الحاجب المنصور يعتذر فيها اعتذارًا كبيرًا، ويخبره بأنه قد هدم هذه الكنيسة، فعاد الحاجب المنصور إلى بلده ومعه النسوة الثلاث [5].

يقطع النصارى عليه الطريق، فيملي شروطه عليهم

ومما ذُكر عن الحاجب المنصور -أيضًا- أنه –رحمه الله- وهو في جهاده لفتح بلاد النصارى كان قد عبر مضيقًا في الشمال بين جبلين، ونكاية فيه فقد نصب له النصارى كمينًا كبيرًا، فتركوه حتى عبر بكل جيشه، وحين همَّ بالرجوع وجد طريق العودة قد قُطع عليه، ووجد المضيق وقد أُغلق تمامًا بالجنود.فما كان من أمر الحاجب المنصور إلاَّ أن عاد مرَّة أخرى إلى الشمال واحتلَّ مدينة من مدن النصارى هناك، ثم أخرج أهلها منها وعسكر هو فيها، ووزَّع ديارها على جنده، وتحصَّن وعاش فيها فترة، ثم اتخذها مركزًا له يقود منه سير العمليات العسكرية، فأخذ يُرسل منها السرايا إلى أطراف ممالك النصارى، ويأخذ الغنائم ويقتل المقاتلين من الرجال، ثم يأتي بهؤلاء المقاتلين ويرمي بجثثهم على المضيق الذي احتلَّه النصارى ومنعوه من العودة منه.
وهنا ضجَّ النصارى وذهبوا مغاضبين إلى قوَّادهم يعرضون عليهم أن يفتحوا له الباب؛ حتى يعود إلى بلده مرَّة أخرى، أو يجدوا حلاًّ لهم في هذا الرجل، فاستجابوا لهم وعرضوا على الحاجب المنصور أن يُخَلُّوا بينه وبين طريق العودة ويعود من حيث أتى، فما كان من المنصور إلاَّ أن رفض هذا العرض، وردَّ عليهم متهكِّمًا أنه كان يأتي إليهم كل عام مرتين صيفًا وشتاءً، وأنه يريد هذه المرَّة أن يمكث بقية العام حتى يأتي موعد المرَّة الثانية، فيقوم بالصوائف والشواتي من مركزه في هذه البلاد بدلاً من الذهاب إلى قُرْطُبَة ثم العودة منها ثانية.
لم يكن مفرٌّ أمام النصارى سوى أن يطلبوا منه الرجوع إلى بلده ومالوا إلى السلم، فراسلوه في ترك الغنائم والجواز إلى بلاده، فقال: أنا عازم على المقام. فتركوا له الغنائم، فلم يجبهم إلى الصلح، فبذلوا له مالاً ودوابَّ تحمل له ما غنمه من بلادهم، فأجابهم إلى الصلح، وفتحوا له الدرب[6].

يجمع ما علق على ثيابه من غبار ليُدفن معه في قبره

مقتديًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «... وَلاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِى سَبِيلِ اللهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ»[7]. فكان من عادة الحاجب المنصور -رحمه الله- في جهاده وبعد كل معركة أن ينفض ثوبه، ويأخذ ما يخرج منه من غبار ويضعه في قارورة، ثم أمر في نهاية حياته أن تُدفن معه هذه القارورة؛ وذلك حتى تشهد له يوم القيامة بجهاده ضد النصارى[8].
ولقد كان من أهم مميزات جهاد الحاجب المنصور أنه كان يبدأ بالهجوم، ويحاول إجهاض المؤامرات في مهدها، ولا ينتظر للدفاع مثلما كان حال مَنْ سبقه[9].

حضارة الأندلس في عهد الحاجب المنصور



من الجوانب الوضَّاءة في حياة ابن أبي عامر أو الحاجب المنصور -أيضًا- اهتمامه الكبير بالجانب المادي والحضاري في البلاد؛ فقد أسَّس مدينة الزاهرة على أحسن ما يكون -كما ذكرنا- وزاد كثيرًا في مساحة مسجد قُرْطُبَة، حتى أضاف إليه ضعف مساحته الأصلية، وكان يشتري هذه المساحات ممن يقطنون حول المسجد، وذلك بالمبلغ الذي يرضونه[10].

وقد ذُكر في ذلك أنه كانت هناك سيدة وحيدة تسكن في بيت فيه نخلة بجوار المسجد، وقد أبت هذه السيدة أن تبيع بيتها هذا إلاَّ إذا أَتى لها الحاجب المنصور بمنزل فيه نخلة كالذي تملكه، فأمر الحاجب المنصور بشراء بيت لها فيه نخلة كما أرادت، حتى ولو أتى ذلك على بيت المال، ثم أضاف بيتها إلى حدود المسجد [11].
زاد الحاجب المنصور كثيرًا في المسجد بعد ذلك، حتى أصبح ولفترة طويلة من الزمان أكبر من أي مسجد أو كنيسة في العالم، وهو ما يزال إلى الآن موجودًا في إسبانيا، ولكنه -وللأسف- حُوِّل إلى كنيسة بعد سقوط الأندلس، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله!
وكذلك كانت العلوم والتجارة والصناعة وغيرها من الأمور قد ازدهرت كثيرًا في حياة الحاجب المنصور، وقد عمَّ الرخاء وامتلأت خزانة الدولة بالمال، ولم يَعُدْ هناك فقراء تمامًا، كما كان الحال أيام الحكم بن عبد الرحمن الناصر أو أيام عبد الرحمن الناصر نفسه.
وحتى البلاد التي فتحها المنصور من بلاد النصارى اهتم بتعميرها وعمارتها؛ حتى صارت الجزيرة الأندلسية كلها متصلة العمران، عامرة زاهرة خضرة نضرة[12].

الاستقرار الداخلي في الأندلس

كان من اللافت للنظر -أيضًا- في حياة الحاجب المنصور أنه ورغم طول فترة حكمه -التي امتدَّت من سنة (366هـ= 976م) وحتى سنة (392هـ= 1002م)- لم تقم عليه أي ثورة، أو تمرُّد في عهده على طول البلاد واتساعها واختلاف أمزجتها، اللهم إلاَّ ما ذكرناه من قبل عن النزاع بينه وبين غالب الناصري.
فقد كان الحاجب المنصور رجلاً قويًّا، محكِمًا للأمن والأمان في البلاد، كما كان عادلاً مع الرعية؛ ومما جاء في ذلك ما ترويه بعض الروايات من أنه جاءه يومًا رجلٌ بسيط من عامَّة الشعب، يبغي مظلمة عنده، وقال له: إن لي مظلمة وإن القاضي لم يُنصفني فيها. وحين سمع منه مظلمته أتى بالقاضي مستوضحًا منه الأمر، وكيف أنه لم يُنصف الرجل في مظلمته، فقال له القاضي: إن مظلمته ليست عندي، وإنما هي عند الوسيط (بمكانة نائب رئيس الوزراء في زمننا)، فأحضر الحاجب المنصور الوسيطَ وقال له: اخلع ما عليك من الثياب (يقصد ثياب التميز والحُكم)، واخلع سيفك، ثم اجلس هكذا كالرجل البسيط أمام القاضي. ثم قال للقاضي: الآن انظر في أمرهما. فنظر القاضي في أمرهما، وقال: إن الحقَّ مع هذا الرجل البسيط، وإن العقاب الذي أقضيه هو كذا وكذا على الوسيط. فما كان من الحاجب المنصور إلاَّ أن قام بإنفاذ مظلمة الرجل، ثم قام إلى الوسيط فأقام عليه أضعاف الحدِّ الذي كان قد أوقعه عليه القاضي، فتعجَّب القاضي، وقال للمنصور: يا سيدي؛ إنني لم آمر بكل هذه العقوبة. فقال الحاجب المنصور: إنه ما فعل هذا إلا لقُرْبِه مِنَّا؛ ولذلك زدنا عليه الحدَّ؛ ليعلم أن قربه منا لن يمكِّنه من ظلم الرعيَّة


 


رد مع اقتباس
قديم 08-11-2011   #4



الصورة الرمزية مطلع الشمس
مطلع الشمس غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 7
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (10:58 AM)
 المشاركات : 6,043 [ + ]
 التقييم :  63
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Darkgreen
افتراضي رد: المنصور .. محمد بن أبي عامر .



المشهد الصليبي في عهد المنصور ابن أبي عامر .




مملكة قشتالة


.شُغل المسلمون بعد وفاة الحكم المستنصر لبعض الوقت بشئونهم الداخلية، فظنَّ النصارى -كالعادة- أن الوقت قد حان لأن يضربوا بكل عهود السلم التي كانت بينهم وبين الحكم المستنصر عُرض الحائط، وأن يعودوا إلى الإغارة على أراضي المسلمين، فأغار القشتاليون على الأراضي الإسلامية، وتوغَّلوا فيها جنوبًا، وعاثوا فيها فسادًا، فهبَّ ابن أبي عامر لردِّهم ومعاقبتهم، فغزا أراضي قشتالة في أوائل سنة (366هـ = 977م)، ثم غزاها ثانية، واقتحم مدينة شلمنقة في العام التالي، وبدأت بذلك سلسلة الغزوات الشهيرة المتوالية على الممالك النصرانية في الشمال، والتي استغرقت طيلة حياة ابن أبي عامر.


مملكة ليون


أمَّا مملكة ليون، فقد أقدم الملك راميرو الثالث، على معاونة القائد غالب الناصري ببعض قواته في خروجه على المنصور، فعزم ابن أبي عامر على عقاب راميرو على هذا التحدِّي، وسار إليه في جيش لمحاربته، فتحالف راميرو الثالث مع أمير قشتالة غرسية فرناندز ومع ملك نافار سانشو غرسية، والتقى الجمعان؛ المنصور بن أبي عامر من جهة والجيوش النصرانية المتحدة من جهة أخرى، وهزمهم المسلمون في موقعة شنت منكش سنة (371هـ= 981م).

وبعد هزيمة راميرو الثالث في هذه المعركة؛ ادَّعى أشراف ليون أنه لم يعد صالحًا لتولِّي أمر المملكة، فقرَّروا خلعه، وتولية ابن عمه برمودو بدلاً منه، ولكن راميرو لم يُذعن لهذا القرار، فحشد أنصاره وخاض حربًا مع ابن عمه، فهُزِم وفرَّ إلى مدينة أسترقة، ثم حاول أن يلجأ بعد ذلك إلى المنصور بن أبي عامر، وأن يستعين به لاسترداد عرشه، ولكن القَدَرَ لم يُمهله؛ إذ توفي بعد ذلك بقليل، وخلا الجوُّ لبرمودو.



ولكن برمودو نفسه لم يستطع الاطمئنان على ملكه؛ وبخاصة أن عددًا من الأشراف عارضوا حكمه، فخشي أن يُفعل به مثلما فُعل بابن عمه، فلجأ إلى المنصور بن أبي عامر يستمدُّ منه العون والتأييد في مقابل أن يعترف بطاعته، وأن يُؤَدِّيَ إليه الجزية، فأجابه المنصور إلى طلبه، وأرسل إليه بقوَّة من الجند، نزلت مدينة ليون عاصمة المملكة؛ لتحمي برمودو، وبذلك أصبحت ليون تابعة للمسلمين.



ولكن هذا الوضع لم يَرُقْ لبرمودو؛ فبمجرَّد أن شعر باستقراره على العرش، وبازدياد نفوذه وقوته، قرَّر أن يغدر بالمسلمين ويتخلَّص من تبعيته لابن أبي عامر، فهاجم الحامية الإسلامية، واستخلص من يدها مدينة ليون، فهبَّ المنصور لحربه، وسار إلى مدينة ليون واقتحمها، ومزَّق قوى النصارى، ثم استمرَّ يغزو أراضي ليون تباعًا، ويُوقع الهزائم المتتالية ببرمودو، حتى اضطر برمودو إلى طلب الصلح، والعودة إلى طاعة ابن أبي عامر عام (995م).



ولم يُعَمَّر برمودو طويلاً بعد ذلك فمات عام (999م)، وخلفه ابنه ألفونسو الخامس، وكان طفلاً، فعُيِّن أحد أشراف ليون -وهو الكونت مننديث كونثالث- وصيًّا على الملك الصغير.


مملكة نافار


تولَّى سانشو غرسية الثاني عرش نافار بعد موت أبيه غرسية سانشيز، وكانت نافار قد اتسعت رقعتها عندئذٍ، فصارت تشمل عدَّة ولايات، غير ولاية نافار الأصلية؛ مثل: ولايات كانتبريا، وسوبرابي، وربا جورسيا، ونمت مواردها وقواها، حتى بدأ سانشو غرسية في مهاجمة الأراضي الإسلامية، فكان ردُّ المنصور بن أبي عامر على ذلك عنيفًا؛ فغزا مملكة نافار وتوغَّل فيها حتى دخل عاصمتها بنبلونة عام (987م).



وخلف سانشو في الحُكم ولده غرسية سانشيز الثالث، فلم يدم حكمه سوى خمسة أعوام، وقد غزا المنصور بن أبي عامر نافار في عهده مرَّة أخرى عام (999م)، وقد مات غرسية بعد هذه الغزوة بعام، وتولَّى بعده ابنه سانشو الثالث الملقب بالكبير[1].



لقد كان المشهد الصليبي في أيام المنصور وبأثر من جهاده في غاية الضعف والتمزُّق.

وفاة المنصور ابن أبي عامر

توفي المنصور بن أبي عامر وهو في أوج قوته، و الأندلس قد بلغت من القوة والعظمة ما لم تَصِلْ إليه من قبلُ في أي عصر من العصور، إلى جوار ما كان فيه أعداؤها من الضعف الشديد، وكذلك كان الحال داخل الأندلس نفسها؛ فالخليفة الأموي هشام المؤيد كان رجلاً ضعيفًا، في حين كانت قوة العامريين قد بلغت شأوًا بعيدًا، ومع ذلك فبمجرد أن مات المنصور بن أبي عامر سارع ابنه عبد الملك إلى قُرْطُبَة، قبل أن يطرأ أي أمر لم يكن قد استعدَّ له من قبل، ليستصدرَ مرسومًا من الخليفة بتوليته الحجابة بعد أبيه، وكان أبوه قد عَهِدَ له بالحجابة من بعده -كما ذكرنا- وتمت توليته الحجابة كما أراد يوم الاثنين لثلاث بقين من رمضان (392هـ)، وبقي في الحكم سبع سنين إلى أن مات سنة (399هـ) [1].






 

التعديل الأخير تم بواسطة مطلع الشمس ; 08-11-2011 الساعة 06:27 PM

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
محمد, المنصور, عامر


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أحلى نفس مطلع الشمس أطلال التسلية والفكاهة والابتسامة . 6 08-20-2011 12:19 AM
أحلى ديكورات خلدون أطلال الأثاث والديكور والتصميم الداخلي 3 03-17-2011 11:49 AM
الحروف :.. محمد أبو نصار أبو ذكرى فضاءات وآفاق بلا حدود . 2 01-17-2011 09:14 AM
محمد بن ال\يب عاشق الجنوب أطلال اليوتيوب . 4 12-06-2010 05:11 PM
أحلى عرس‎ أبو ذكرى أطلال التسلية والفكاهة والابتسامة . 0 06-28-2010 08:32 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية
Add Ur Link
منتديات همس الأطلال دليل مواقع شبكة ومنتديات همس الأطلال مركز تحميل همس الأطلال . إسلاميات
ألعاب همس الأطلال ضع إعلانك هنا . ضع إعلانك هنا . ضع إعلانك هنا .

flagcounter


الساعة الآن 09:04 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
.:: تركيب وتطوير مؤسسة نظام العرب المحدودة ::.
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع الحقوق محفوظة لـشبكة ومنتديات همس الأطلال