فرنسا في عصر النهضة .

النهضة , فرنسا

فرنسا في عصر النهضة .

.

يتفق المؤرخون على القول بأن عصر النهضة ابتدأ في إيطاليا ثم انتقل منها إلى فرنسا فألمانيا فإنجلترا لكي يصبح ظاهرة أوروبية عامة. وبدءا من تلك الفترة، أخذت أوروبا تقلع حضارياً وتتفوق على العالم الإسلامي الذي كان واقعاً تحت قيادة الإمبراطورية العثمانية، فكيف ابتدأت نهضة الأوروبيين يا ترى؟ وما هي أسبابها؟.
عن هذا السؤال يجيب هذا الكتاب الجماعي المؤلف من قبل فريق من الباحثين والباحثات الفرنسيات، نذكر من بينهم آرليت جوانا الاستاذة في جامعة بول فاليري بمدينة مونبلييه، وقد كتبت الدراسة المطولة التي تفتتح هذا الكتاب ـ القاموس، وكان عنوانها: زمن النهضة في فرنسا (ما بين عامي 1470 ـ 1559). ونذكر أيضاً الباحثين دومينيك بيلوغي وغي لوتييك الاستاذين في الجامعة المذكورة، وقد كتبا دراسة مهمة عن جيران فرنسا ومنافسيها في عصر النهضة: كالبرتغال واسبانيا وانجلترا وهولندا والنمسا وإيطاليا والامبراطورية العثمانية.
ثم يتلو هاتين الدراستين اللتين تتجاوزان الخمسمائة صفحة قاموس كامل عن الموضوعات والمصطلحات الأساسية المتعلقة بعصر النهضة، وهو قاموس مفيد جداً لمن يريد أن يتعمق في دراسة ذلك العصر الكبير، فمثلا هناك مادة كاملة عن ارسطو، وافلاطون، وسواهما.
والسؤال المطروح هو: ماذا كان يعني ارسطو بالنسبة للمثقفين الفرنسيين في عصر النهضة؟ كيف فهموه واستخدموا فكره من أجل النهوض؟ كيف فهموا أفلاطون؟.


وهناك مادة بعنوان «ايراسم»، وهو المفكر الأشهر في عصر النهضة، ولم يكن فرنسياً وإنما هو هولندي الأصل، لكنه عاش متنقلاً في مختلف أنحاء أوروبا. وكان تأثيره عظيماً في ذلك الزمان، ولذلك لقّب بـ «أمير النهضويين».
ان هذا القاموس مفيد لطلبة الدراسات العليا والباحثين، لأنه يعطيك فكرة عن عصر النهضة من مختلف جوانبه: الثقافية، فالفنية العمرانية، فالاقتصادية، فالسياسية، فالحياة الدينية.. الخ. باختصار، فإن هذا الكتاب يعتبر مسحاً شاملاً لكل ما يخص الحياة الفرنسية في القرن السادس عشر، وهو مليء بالمعلومات المدققة، والمعطيات الموثقة، والتحليلات المضيئة. ويا ليتنا نمتلك كتباً من نوعه في العالم العربي، ليتنا نمتلك مراجع أكاديمية موثوقة عن سورية، أو العراق، أو مصر، أو السعودية، أو اليمن، في القرن السادس عشر مثلا، أو في أي قرن آخر. ليتنا نمتلك قاموساً مرتباً بحسب الحروف الأبجدية كهذا القاموس الفرنسي الذي يغطي كل جوانب المعرفة في فترة معينة، لكن يبدو أن التخلف يكون في كل المجالات أو لا يكون.. وكذلك التقدم!. ان المرء ليشعر بالحسرة إذ يرى كل هذا التقدم الكبير في الدراسات الأوروبية، ويتمنى لو يحصل ذلك أيضاً في العالم العربي يوماً ما.


منذ البداية تقول آرليت جوانا: بالنسبة لأناس القرن السادس عشر، فإن عصر التنوير كان هو عصرهم، وكانوا يعتقدون بأن العصر السابق هو عصر الظلمات والجهالة، وبالتالي فإن وضعهم التاريخي كان يتلخص بكلمة واحدة: انتصار النور على الظلمات.


ففي عام (1532) وجه رابليه رسالة إلى أحد اصدقائه يعبر فيها عن سعادته لأنه ولد في عصر مليء بالتنوير إلى مثل هذا الحد، والكثيرون من مفكري عصره كانوا يشعرون بأنهم يعيشون فترة انبعاث، وتجدد، ونهضة. كانوا يعتقدون بأنهم انتصروا على همجية القرون الوسطى، على التعصب الكنسي اللاهوتي، لكن هذا الاعتقاد كان محصوراً بالنخبة المثقفة أو بحلقات ضيقة من المتعلمين ولا يشمل عامة الشعب.


ولكن ما هي أسباب هذا الانبعاث؟، عن هذا السؤال تجيب الباحثة الفرنسية قائلة ما يلي: لقد شهدت فرنسا في النصف الثاني من القرن الخامس عشر تضافر عدة عوامل إيجابية، وأولها التزايد السكاني، ثم الازدهار الاقتصادي الذي شهدته المدن، ثم التبادل التجاري والثقافي مع مناطق مختلفة من العالم، ومن بينها العالم الإسلامي بمشرقه ومغربه. ومعلوم أن الازدهار الاقتصادي يساعد على الازدهار الثقافي والفكري. وأوروبا كانت في ذلك الوقت قد حققت عدة كشوفات جغرافية سواء في أميركا أو آسيا أو افريقيا، وكل ذلك ساهم في زيادة غناها وثرواتها. يضاف إلى ذلك عامل آخر لا يؤخذ بالحسبان عادة، ينبغي العلم بأن سقوط القسطنطينية في يد الأتراك عام 1453، أدى إلى هجرة بعض العلماء البيزنطيين إلى أوروبا، وقد نقلوا إليها مخطوطات الفلسفة اليونانية وساهموا في نشر فكر ارسطو الذي كانوا يعرفونه منذ زمن طويل وبشكل افضل بكثير مما يعرفه علماء أوروبا. ثم لا ينبغي أن ننسى عاملاً حاسماً: ألا وهو اختراع المطبعة على يد غوتنبرغ الألماني عام 1450، وهو حدث خطير أدى إلى انتقال البشرية من عصر إلى عصر: أي من عصر النساخة باليد إلى عصر الطبع بواسطة الآلات ونشر آلاف الكتب على نطاق واسع في شتى أنحاء أوروبا.. وبالتالي فلولا المطبعة لما كانت النهضة.


وفي ذات الوقت، راحت تنشأ طبقة اجتماعية في المدن، وهي طبقة متعلمة تعرف القراءة والكتابة، وقد اغتنت عن طريق الاشتغال بالتجارة أو العمل في خدمة الدولة، وهذه الطبقة كانت بحاجة إلى إشباع فضولها المعرفي والثقافي، وكانت قادرة على شراء الكتاب واقتنائه. صحيح ان عدد افراد هذه الطبقة لم يكن يتجاوز العشرة آلاف شخص في كل أنحاء أوروبا!، لكنه كان كافياً لتشجيع الكتّاب والمثقفين الذين يكتبون باللاتينية، لغة العلم والدين والفلسفة في ذلك الزمان، نقول ذلك ونحن نعلم أن النخب المثقفة هي التي تقود الشعوب، يضاف الى ذلك ان هذه الطبقة المثقفة او المتعلمة كانت مرشحة للازدياد أكثر فأكثر كلما تقدمت أوروبا وتطورت.


هناك أسطورة شائعة عن عصر النهضة وهي أنه كان وثنياً ملحداً! في الواقع ان معظم الكتّاب النهضويين كانوا مسيحيين مؤمنين، وإن كان إيمانهم قد ترافق مع الانفتاح على الحضارة اليونانية ـ الرومانية التي كانت وثنية، كانوا مولعين بدراسة أفلاطون وأرسطو وهوميروس وفيرجيل وشيشرون وعشرات غيرهم، وكانوا يجدون في قراءتهم متنفساً أو مهرباً من الجو الخانق لثقافة القرون الوسطى واللاهوت الكنسي القديم. لقد قفزوا فوق القرون الوسطى ـ أي فوق ألف سنة ـ لكي يعانقوا الثقافة اليونانية والرومانية التي سبقت المسيحية من حيث الظهور بمئات السنين، وشعروا بالحرية والارتياح وهم يعيدون الصلة مع تلك الحضارة التي ازدهرت فيها الفلسفة العقلانية، وكذلك الآداب والفنون أيما ازدهار.


لكن كيف يمكن للمسيحي المؤمن بوجود الله وكتابه المقدس «الانجيل» أن يأخذ الحكمة عن فلاسفة وثنيين كفلاسفة اليونان والرومان؟، عن هذا السؤال أجاب مفكرو عصر النهضة قائلين بأن هؤلاء الفلاسفة من أمثال أفلاطون وارسطو كانوا ملهمين من قبل الله دون أن يعرفوا!، صحيح أنهم عاشوا وماتوا قبل ظهور المسيح أو قبل نزول الوحي، لكن كلامهم يتوافق مع الوحي الإلهي ولا يتناقض معه، وبالتالي فالأخذ عنهم حلال. وهكذا خلعوا الشرعية الدينية على نصوص كتبت قبل مجيء عهد المسيحية بخمسة قرون على الأقل، لكن على الرغم من ذلك، فإن رجال الكنيسة وعامة الشعب شككوا بهم وبصحة إيمانهم واتهموهم بالزندقة والخروج على الدين.

منقول .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

المصدر: شبكة ومنتديات همس الأطلال شبكة ومنتديات همس الأطلال Network Forum whispered ruins - من قسم: أطلال تاريخ أوروبا

---

tvksh td uwv hgkiqm >