يستحيل عملياً على دولة مترامية الأطراف مثل الدولة العثمانية أن تمارس في ذلك العصر الذي إنعدمت فيه وسائل المواصلات والإتصالات السريعة حكماً مباشراً على كافة ولاياتها
العربية القصية عن العاصمة اسطنبول. ولذلك ظلّت مراكز القوى في تلك الولايات حية تتوارى حيناً وتظهر حيناً أخرى. فإذا تمتع السلطان العثماني بقدرٍ كبير من القوة كمنت تلك المراكز وتركت لاسطنبول ممارسة القدر الأكبر من السلطة الفعلية في الولايات. وحين يظهر أي ضعف على قوة السلطان العثماني تشرأب مراكز القوى في الولايات بأعناقها وتبدأ باقتطاع قدرٍ من سلطة الحكومة المركزية في اسطنبول يقل أو يكبر حسب مقتضى الحال. وكانت بعض مراكز القوى تلك عبارةً عن قوى قبلية أو من قادة حاميات القوات العثمانية ”الإنكشارية“ التي تضعها الحكومة المركزية في عاصمة كل ولاية عادةً.
بدأت مظاهر الضعف تلوح على الدولة العثمانية منذ وفاة السلطان سليمان القانوني سنة 1566م. وكانت مراكز القوى في الولايات
العربية تتابع بيقظة ما يجري في العاصمة وتقوّي مواقعها المحلية تدريجياً على حساب اسطنبول. فمن مراكز القوى تلك المعنيون في بلاد الشام الذين أقرّهم السلطان سليم الأول على إمارتهم. وحين لاحظوا ضعف الحكومة المركزية أخذوا يزيدون من سلطانهم مما جرّهم لصداماتٍ دموية متتابعة مع القوات العثمانية منذ الثلث الأول للقرن السابع عشر. وظل حال المعنيين متوتراً مع العثمانيين حتى سقوط إمارتهم سنة 1697م حيث قامت الإمارة الشهابية على أنقاضها. ومن مراكز القوى العسكرية ”الدايات“ [جمع داي، وهو ضابط الرواتب في حامية الإنكشارية]، الذين فرضوا سيطرتهم على مقاليد الأمور في ولايات تونس وليبيا والجزائر، وانتزعوا مقاليد السلطة الفعلية من أيدي الولاة الذين تعينهم اسطنبول. وقد احتدم الصراع البحري في البحر المتوسط خلال القرن السابع عشر بين سفن أولئك الدايات والدول الأوروبية المجاورة.
ومن
الأحداث السياسية البارزة أيضاً ما حدث في اليمن، إذ اتخذ العثمانيون زبيد قاعدة للتوسع نحو الداخل، فاستطاعت قواتهم احتلال مدينة تعز سنة 1546م، ثم زحفت بوجه مقاومةٍ زيدية عنيفة نحو صنعاء واستطاعت دخولها في السنة التالية. ولم يكسر ذلك حدة المقاومة الزيدية التي تولى قيادتها الإمام المطهر، وتمكنت من طرد العثمانيين من صنعاء سنة 1568م وطاردتهم حتى زبيد.
ولكن العثمانيين أعادوا تنظيم صفوفهم واستقدموا التعزيزات وتقدموا من جديد نحو صنعاء ودخلوها سنة 1570م. واستقر لهم الوضع بعض الشيء في اليمن من جرّاء ضعف الإمامة الزيدية بعد وفاة المطهر سنة 1573م. ولكن الإمامة استعادت حيويتها على يدي الإمام القاسم بن محمد، الذي استأنف الصراع مع العثمانيين منذ سنة 1592م، وأخذ يلحق بالقوات العثمانية خسائر كبيرة خلال السنين التالية. ونتيجةً لذلك كله اضطر السلطان مراد الرابع لإصدار أمرٍ بسحب القوات العثمانية من اليمن سنة 1635م. فكانت اليمن بذلك أول قطرٍ عربي ينجح في إجلاء العثمانيين والتخلص من حكمهم.
وفي المغرب الأقصى ظل الأشراف السعديون متمسكين باستقلالهم عن الدولة العثمانية، مما جرهم إلى صداماتٍ مع الولاة العثمانيين في الجزائر. كما نجحوا في التصدي لغارات البرتغاليين على السواحل المغربية.وحقق الأشراف السعديون انتصاراتٍٍٍ عديدة في وقائعهم مع الغزاة، من أشهرها انتصارهم في معركة وادي المخازن سنة 1578م التي كبّدت البرتغاليين خسائر فادحة. لكن سلطة أولئك الأشراف بدأت تتضعضع تدريجياً منذ مطلع القرن السابع عشر بسبب احتدام الصراع الداخلي بينهم على السلطة. وتزامن ذلك مع هجرة الأشراف الحسنيين من موطنهم في ينبع في الحجاز، فأخذوا يرسّخون مكانتهم تدريجياً وينافسون أبناء عمومتهم السعديين حتى نجح مولاي رشيد كبير الأشراف الحسنيين بالقضاء على حكم السعديين سنة 1659م وأسس سلالةًًً حاكمة في المغرب الأقصى لا تزال باقية حتى يومنا الراهن.
وشهد القرن السابع عشر تجدد الحرب بين الجارتين اللدودتين الدولة العثمانية والدولة الصفوية. وكان العراق كالعادة ساحةً لذلك الصراع. إذ نجح جنديٌ بسيط يسمى بكر صوباشي في تسلق المراتب العسكرية في حامية بغداد العثمانية حتى تمكن من وضع يده على حكم بغداد، فأعلن انشقاقه عن الدولة العثمانية وانضمامه للدولة الصفوية. واغتنم الشاه عباس الصفوي الفرصة المتاحة فساق قواته نحو بغداد ودخلها سنة 1623م. وقد أدى ذلك إلى سخط قطاعاتٍ واسعة من سكانها من ناحية وإلى تأجيج جذوة العداء القديم مع العثمانيين من ناحيةٍ أخرى. فأعدّ العثمانيون جيشاً كبيراً قاده السلطان العثماني مراد الرابع وزحف به نحو بغداد واستردها من أيدي الفرس سنة 1638م.
الإهداءات
02-04-2013
أبرز الأحداث السياسية في المنطقة العربية خلال القرنين 16 و 17 
المواضيع المتشابهه 
العرض العادي
