المماليكُ: يُعدُّ العصر الذهبِيُّ للخلافة العباسية عصر (هارون الرشيد)، وأخطر ما فعله تقسيم الخلافة بيْن ثلاثٍ من أبنائه (الأميْن) و(المأمون) و(المؤتَمن)، فنشأ صراعٌ انْتَهَى بِمقتل (الأميْن)، وبعد وفاة (المأمون) بويع لأخيه (المعتصم) حسب وصيته، واعتمد (المعتصم) الرقيق التركي الذي كثُرَ في بغداد آنذاك كما استكثَرَ من شرائه، وكان الأتراك بدواً جُفاةً آذوا الناسَ فبَنَى (المعتصم) مدينة سامراء ونَقلهم إليها، وكانوا شبه أميـيْنَ ولا يعرفون الحرف والمهن بل الحرب والمهارة في الفروسية، ولكنَّ (المعتصم) فرض سيطرته عليهم، ولكن منذ خلافة ابنه (الواثق) أخذوا بالإمساك بزمام الأمور، وبعد وفاة (الواثق) الذي لَم يُعيِّنْ خلفاً له حمل الأتراك رجال الدولة على مبايعة (المتوكل)، فصار بيدهم تعييْن الخليفة وعزله، وحاول (المتوكل) مقاومة عوامل الضعف فحارب المعْتزلة واستقدم العرب في جيشه، وحاول ضرب التُّرك والانتقال بعاصمته إلى دمشق، لكنَّ الأتراك قتلوه بالتواطؤ مع ابنه (المنتصر)، ومن حينها سيطروا على المملكة واستضعفوا الخلفاء، وذات الخطأ حصل في عهد الأيوبييْنَ فقد قسم (صلاح الدين) مصر والشام بين أبنائه وأخيه(العادل)، وبعد وفاة (العادل) استلم ابنه (الكامل) الذي سيطر على مصر والشام، وبعد وفاته استلم ابنه (نَجم الدين أيوب) الذي استولَى على مصر والشام وطرد أخاه حاكم مصر، وفي عهد (نَجم الدين أيوب) يبدأ عصر المماليك.
العصر الملوكي: العصر الملوكي (648-923)هـ/ (1250-1517م): المماليك البحرية (648-784)هـ/ (1250-1382م)، المماليك البرجية (784-923)هـ/ (1382-1517م). بدأ العصر المملوكي تاريْخياً بعد موت (نَجم الدين أيوب) واستيلاء (شجرة الدر) على الحكم بتدبيْر مؤامرة قتل السلطان (توران شاه) ابن زوجها، وكان الصالح أيوب ابن أخي (صلاح الدين) يشتَري الرقيق من أسواق العبيد وخاصةً الأمم التركية الهاربة من أوطانِها أمام التـتار، وشكَّل العبيد ركيْزة الجيش الأيوبي بِمرور الوقت، وجعل الصالح قلعةً في جزيرة الروضة في النيل ثكنةً لهم فعُرفوا بالماليك البحرية، وكانوا يُجمعونَ في الطباق (وهي ثكنات المماليك)، واهتمَّ المماليك بتَربية ممالكيهم على الفروسية والقتال فبَرعوا فيه وهم صغارٌ ليكونوا عنصر الجيش المملوكي، وفي عهد الصالح هزم الأميْر المملوكي (الظاهر بيْبَرس) الصليبييْن الذيْن كادوا يستولون على قصر السلطان في مصر، ومات الملك الصالح المريض وخلفه ابنه (توران شاه) وهاجم الصليبيون فهزمهم (الظاهر بيْبَرس) هزيْمةً شنيعةً، وقويت سلطة المماليك الذين كانوا معظم ضباط الجيش الأيوبِي، وقد عانوا من سوء معاملة السلطان الجديد لهم فتآمروا مع زوجة أبيه (شجرة الدر) –وهي جاريةٌ تركية أو أرمنية الأصل- وقتلوه، وتولت الملك وصايةً على طفلٍ أيوبِي جاؤوا به من دمشق، فرفضتِ الخلافة العباسية توليها فتزوجت من قائد جيشها (عز الدين أيبك) والذي خلع الكفل وصار الحاكم، ولكنَّ زوجته قتلته بسبب غيْرتِها من كونِه سيتزوجُ أخرى، ولكنَّ المماليك قتلوا (شجرة الدر) وولي (نور الدين بن المعز أيبك) وكان صغيْراً، وبسبب زحف جيوش المغول بقيادة (هولاكو) عزله (المظفر قُطز) وصار السلطان وهزم المغول، ولكن في طريق العودة قتله (الظاهر بيْبَرس) وصار السلطان، وهو المؤسس الحقيقي للدولة المملوكية، فقد قضى وقته في قتال المغول والصليبييْن وضم الإمارات الأيوبية إلَى ملكه، كما قام السلطانان (سيف الدين قلاوون) وابنه (الأشرف خليل) بِهزيمة المغول ومَن بقي مِن الصليبييْن والاستيلاء على الشام، وطُردت فلول المغول من سورية حتَّى عادوا في غزوةٍ جديدةٍ على يد (تيْمورلنك) بيْن (803-804)هـ/ (1400-1401م)، واستَمرَّ عهد المماليك البحرية حتَّى (1382م)، حيث خلع الأميْر (برقوق) الشركسي آخر مماليكهم الطفل (الصالح حاجي بن شعبان)، وبدأ عهد المماليك البُرجية وغالبيتهم من الشراكسة، وأقاموا في برج القاهرة لذا عُرفوا بالبرجية، وانْتَهى حكمهم باجتياح العثمانيـيْن للمنطقة، حيث هزمهم السلطان (سليْم الأول) في (مرج دابق) قرب حلب (1516م)، ثُمَّ في معركة (الريدانية) قرب القاهرة وأسر (سليْم الأول) آخر سلاطين المماليك (طومان باي) وشنقه (1517م).
اللغةُ والأدبُ: جاء المماليك إلَى البلاد العربية أطفالاً ويافعيْن، وتعلموا من العربية – العامية – ما يُيسِّرُ لهم أداء واجباتِهم (الدينية خصوصاً)، وغالباً ما استُخدموا متُرجميْنَ لَهم، وكان لِجهلهم دورٌ في لجوء الأدباء إلَى العامية وابتعاد الشعراء عن البلاط، لذا كان الشعراء المحترفون قلةً، وتراجعتِ اللغة العربية على صعيد الاستخدام الأدبِي لمخالطة اللغات الأعجمية لها، فاللغة الفارسية سيْطرتْ على العراق وفارس، وظهر مع المماليك الأدب التُّركي الذي لَم يكن مكتوباً فأخذ من الأدب العربي والفارسي، فأثَّرت هذه العوامل على اللغة العربية، فالأتراك يتكلمون التركية المتعددة اللهجات كلغة (الغُز)، وبم يعفروا من العربية إلاَّ ما يَخدم واجباتِهمُ الدينية، وحاولوا الكتابة بالعربية فكان لهم تأثيْرٌ سلبِيٌّ عليها، وكذا كان شأن الفرس.
أمَّا البلاط فلم يعدِ الشعراء يتكسبونَ من الشعر، لعدم فهم الحكَّام الشعر فأُغلق الباب في وجههم، وكانَ الأعيان الأغنياء كذلك، فانكفأ الشعراء على أنفسهم، وامتهنوا المهن والحرف كالكحَّال والجزَّار والورَّاق وغيْر ذلك، فأضحى الأدب هوايةً يُمارسونَها أحياناً، فأنتجتْ أدباً مختلفاً عن العصور السابقة، فلم يعد في قصائدهمُ المقدمة الطلليةُ والنسيبُ مثلاً، وكثُرتِ المقطعات لأنَّها استجابةٌ لدفقةٍ شعوريَّةٍ سريعةٍ، وكان الشاعر يضع نصب عينيهِ المتلقِّي الجاهل لقلة الثقافة حتَّى ولو كان المتلقِّي وزيراً، ولذا شاع في شعرهم السهولة والوضوح وامتزاج العامية بالفصحى، وانتشرت الصنعةُ والمبالغةُ والتكلُّفُ، وهي موجودة في العصر العباسي ولكنَّ أدباء هذا العصر بالغوا فيها لمحاولة مجاراة الأقدميْن، فاستخدموا كل المحسنات البديعية والصنعة البيانية، وصارت الألفاظ قريبةً من العامة، واستمرتِ الأجناسُ الأدبيةُ السابقة كالغزل والمدح (الذي قلَّ لعدم وجود الحكَّام العرب) والرثاء وغيْر ذلك.
تم نقله للفائدة .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
hguwv hgllg,;d > hguav