الإخوة الأعضاء الكرام : الرجاء في حال وضع صور في المنتدى أن يكون رفعها على مركز الرفع الخاص بالمنتدى وهو موجود في صندوق الموضوع المطور أو ضمن الإعلانات النصية الموجودة أسفل المنتدى ، لأن ذلك يسهم في سرعة المنتدى وأدائه ، وشكراً لكم على كرم تعاونكم || كن بلا حدود ولا تكن بلا قيود .|| إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا . || قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك . || الإرهاب .. لا دين له || |





أطلال عصور ما قبل الإسلام وتاريخ الحضارات . منتدى يهتم بالتاريخ من بدء الخليقة ، وتاريخ الأنبياء والرسل حتى العصر الجاهلي . قبيل ظهور الإسلام .

الإهداءات

عصور الادبي العربي

العربي، الأدب. الأدب في اللغة: الدعاء والجمع، والآدِبُ هو الداعي. قال طرفة : نحن في المشتاةِ نَدْعُو الجَفَلَى ****** لاتــرى الآدِب فــينا يَنْتَــقِر ويرى بعض مؤرخي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 03-15-2013
أذكاري منبع حياتي متواجد حالياً
Saudi Arabia     Female
SMS ~
علموك القساوة و أنت طبعك حنون ..
كيف تجرح دموعي و أنت وسط العيون !
قـائـمـة الأوسـمـة
المشرفة المميزة

التكريم

لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 419
 تاريخ التسجيل : Oct 2012
 فترة الأقامة : 4390 يوم
 أخر زيارة : منذ ساعة واحدة (04:01 AM)
 الإقامة : فيفاء ..
 المشاركات : 1,397 [ + ]
 التقييم : 70
 معدل التقييم : أذكاري منبع حياتي will become famous soon enough
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي عصور الادبي العربي




العربي، الأدب. الأدب في اللغة: الدعاء والجمع، والآدِبُ هو الداعي. قال طرفة :


نحن في المشتاةِ نَدْعُو الجَفَلَى ****** لاتــرى الآدِب فــينا يَنْتَــقِر

ويرى بعض مؤرخي الأدب أن لفظة أدب بوزن فَعَل لم تستعمل في الجاهلية، إلا أن المتتبِّع لأخبار العرب يجدها قد وردت في خطاب النعمان بن المنذر إلى كسرى في قوله: ¸قد أوفدت إليك، أيها الملك، رهطًا من العرب لهم فضل في أحسابهم وأنسابهم وعقولهم وآدابهم·. ويقول عتبة بن ربيعة لبنته هند يصف لها أبا سفيان زوجًا من غير أن يسميه: "يؤدِّب أهله ولا يؤدبونه…" فقالت إني: "لآخذته بأدب البعل" إلى غير ذلك. فالواضح أنها معروفة في اللسان العربي في الجاهلية، ثم لما جاء الإسلام انتقلت إلى معنى التهذيب والتذليل والتثقيف؛ يقول الرسول ³ (من ابتلي من هذه البنات بشيء فأنفق عليهن وزوجهن وأحسن أدبهن كن له سترًا من النّار ) رواه الشيخان. وقال عُمر لبعض ولده: "احفظ محاسن الشعر يحسن أدبك".

ثم شاعت اللفظة لتعني الرياضة والتذليل باكتساب مكارم الأخلاق والمعارف، قال مزاحم العقيلي:


وهُنَّ يُصرّفن النَّوى بين عالجٍ ونجران تصريف الأديب المُذَلَّلِ

ثم تداولها الناس من بعد ذلك بالمدلول المعروف اليوم وهو كل رياضة محمودة يتخرج بها الأديب في فضيلة من الفضائل.

إذن كلمة أدب من الكلمات التي تطوَّر مدلولها وتعاقبت عليها معان متقاربة، حتى استقرت على المعنى الذي يتبادر إلى الذهن اليوم.

أما في الاصطلاح فالأدب هو الكلام الإنشائي البليغ الذي يراد به التأثير في عواطف القراء والسامعين، شعرًا كان أم نثرًا. ويراد بالأدب العربي مجموع الآثار النثرية والشعرية التي أنتجها العقل العربي في عصوره المختلفة.

ويختلف مؤرخو الأدب العربي في تقسيم عصوره؛ فهي خمسة عصور عند بعض المؤرخين الذين يجعلون عصر صدر الإسلام والعصر الأموي عصرًا واحدًا. ولعل الشائع عند الدَّارسين أنها ستة: العصر الجاهلي، عصر صدر الإسلام، العصر الأموي، العصر العباسي: الأوَّل والثّاني والثّالث، وقد يسمي بعض المؤرخين الفترة التي تلي عصر الدويلات العباسية عصر الانحطاط وهي تسمية غير مقبولة؛ لأن هذا العصر شهد إنتاجًا أدبيًا لايستهان به، ليس هذا مجال تفصيل القول فيه. وذهب بعض المؤرخين إلى تسمية هذا العصر بعصر الدول التركية. وقد جاءت تسميته هنا بعصر مابعد سقوط بغداد إلى مطالع العصر الحديث. أما آخر هذه العصور فالعصر الحديث، ويعرف أيضًا بعصر النهضة. ويتناول الحديث هنا الشعر والنثر في كل عصر من هذه العصور.


العصر الجاهلي
صار من الثابت بين الباحثين أن العصر الجاهلي لا يشمل كل ما سبق الإسلام من حقب طوالٍ، ولكنه يقتصر على حقبة لا تزيد على القرنين من الزمان، وهي ما اصطلح الباحثون على تسميتها بالجاهلية الثانية، وفي تلك الحقبة ظهر هذا الإنتاج الغزير الناضج من الشعر والنثر، واكتملت للغة العربية خصائصها التي برزت من خلال هذا النتاج الأدبي الوفير، كما استقرَّ أيضًا رسم حروفها الألفبائية. فما انتهى إلينا، إذن، من أدب جاهلي هو أدب الجاهلية الثانية، وهو ما نستطيع الحديث عنه ودراسة فنونه وخصائصه، أما أدب ما قبل هذه الحقبة التاريخية فهو أدب ما يسمى بالجاهلية الأولى، وهو أدب لم تتوافر نصوص منه، فالحديث عنه غير ممكن. ومن هنا فإن الأبحاث التي استقصت أولية الشعر العربي أو أولية اللغة العربية تقوم على مجرد الحدس والتخمين، أو على نوع من الأخبار الوهمية والخرافات.

على أن اللغة العربية التي سُجِّلت بها النصوص الأدبية في عصر الجاهلية الثانية هي واحدة من الأسرة السامية التي تشمل: 1- الأكادية والبابلية والآشورية. 2-الآرامية. 3- الكنعانية. 4- الحبشية. 5- ثم العربية بفرعيها: الشمالي والجنوبي.

وإذا كانت الأمية قد شاعت بين العرب، فإن هذا لا يعني قط انعدام القراءة والكتابة لديهم، فلقد انتشرت بينهم القراءة والكتابة بالقدر الذي يسمح لهم بتدوين معاملاتهم وآدابهم. انظر : الكتابة العربية. وإذا كانت الذاكرة العربية التي تميزت بالقوة قد حفظت قدرًا كبيرًا من الأشعار، فإن التدوين أيضًا كان مساندًا للرواية الشفوية.

أمّا طرح ابن سلام في كتابه طبقات فحول الشعراء لقضية الانتحال فينبغي أن يؤخذ على أنه دليل على ما بذله الأقدمون من جهود لتنقية الشعر الجاهلي من التزييف، ووضع المعايير العلمية الدقيقة لضمان سلامة الشعر الجاهلي وتوثيقه.


الشعر الجاهلي. أما مراكز الشعر العربي في العصر الجاهلي، فإنه بالإضافة إلى الجزيرة العربية نفسها: نجدًا وحجازًا، فقد عاش الشعر العربي وازدهر في إمارتين اثنتين هما: إمارة الغساسنة والمناذرة، وقد قامتا في الأطراف الشمالية من شبه الجزيرة.

أما إمارة الغساسنة، فقد قامت في بلاد الشام، حيث اتخذ الرومان، ثم خلفاؤهم البيزنطيون من بعدهم، من الغساسنة حلفاء لهم ضد أعدائهم التقليديين من الفرس، وحلفائهم من المناذرة في العراق. وقد كان الغساسنة عربًا من الجنوب نزحوا إلى الشمال، وأقاموا إمارتهم العربية تلك في شرق الأردن، وكانوا قد تنصّروا في القرن الرابع الميلادي. وكانت إمارة الغساسنة على جانب كبير من الثراء والتحضّر، ومن أهم ملوكهم الحارث الأصغر، ثم ابناه من بعده النعمان وعمرو، والأخير هو الذي قصده النابغة الذبياني، كما قصد حسان بن ثابت النعمان بن المنذر أيضًا ومدحه في قصائد شهيرة، منها قصيدته التي من أبياتها:


أولاد جَفْنة حول قبر أبيهمُ قبر ابن مارية الكريم المفضِلِ

وكما قامت إمارة الغساسنة في الشام، فقد قامت إمارة المناذرة في العراق. وكما كان الغساسنة عربًا ذوي أصولٍ يمنية، فكذلك كان المناذرة. ومثلما قصد شعراءُ الجزيرة أمراءَ الغساسنة، فكذلك قصدوا أمراءَ المناذرة، الذين كان من أشهرهم المنذر بن ماء السماء حوالي (514 - 554م)، وعمرو بن هند (554 - 569م) الذي ازدهرت الحركة الأدبية في أيّامه، وقد وفد عليه في الحيرة، حاضرة المناذرة، عمرو بن قميئة والمسيَّب بن عَلَس والحارث بن حِلِّزة وعمرو بن كلثوم.كما وفد النابغةُ الذبياني على أبي قابوس النعمان بن المنذر الرابع (580 - 602م)، ووفد عليه أيضًا أوس بن حجر والمنخل اليشكري ولبيد والمثقِّب العبدي وحجْر بن خالد.

ولا شك أن طبيعة المنافسة السياسية بين المناذرة التابعين لدولة فارس والغساسنة الموالين للبيزنطيين قد انعكست على الحياة الأدبية على نحوٍ ليس بالقليل.

ازدهر الشعر العربي، إبان الجاهلية، ازدهارًا عظيمًا تمثل في هذا العدد الكبير من الشعراء الذين تزخر المصادر بأسمائهم وأشعارهم، إذ نظموا في جاهليتهم الأخيرة قبل الإسلام كثيرًا من الشِّعر. ومع هذا فقد ضاع معظم هذا الشعر، على حد قول أبي عمرو بن العلاء : "ما انتهى إليكم مما قالته العرب إلا أقلُّه، ولو جاءكم وافرًا لجاءكم علمٌ وشعر كثير". وقد اشتهرت في الجاهلية بيوت كاملة بقول الشعر، فالنعمان بن بشير، مثلاً، كان أبوه وعمه شاعرين، وكذلك جده، ثم أولاده من بعده. وكعب بن مالك الصحابي الشاعر كان أبوه وعمه شاعرين، ثم أبناؤه وأحفاده، وكذلك كان أمرُ بيت أبي سُلمى، ومنه زهير وولداه كعب وبُجير، وأخوال كعب شعراء، ومنهم بشامةُ ابن الغدير. ثم هناك حسان بن ثابت الصحابي الشاعر، وقد تسلسل الشعر في بيته لبضعة أجيال.

عرف تاريخ الشعر العربي، في العصر الجاهلي، نساءً شواعر منهنَّ على سبيل المثال: الخنساء وخِرْنَق وكبشة أخت عمرو بن معْدي كَرِب وجليلة بنت مُرَّة امرأة كُليب الفارس المشهور، ولها في كليب مراثٍ من عيون الشعر العربي، وقيسة بنت جابر امرأة حارثة بن بدر ولها أيضًا مراثٍ في زوجها، وأميمة امرأة ابن الدُّمَيْنة. وقد كان أبو نُواس الشاعر العباسي يروي لستين شاعرة من العرب.

والناظر في المصادر العربية تهوله تلك الكثرة من الأشعار والشعراء خاصة إذا ضَمّ إليها ما جاء في كتب التاريخ والسير والمغازي والبلدان واللغة والنحو والتفسير، إذ تزخر كلها بكثير من أشعار الجاهليين بما يوحي أن الشعر كان غذاء حياتها، وأن هذه الأمة قد وهبت من الشاعرية الفذة ما يجعل المرء يتوهم أن كل فرد من رجالها ونسائها وعلمائها كان يقول الشعر. وتدلُّ هذه الكثرة من الشعر والشعراء على أن الشاعرية كانت فطرة فيهم، ثم ساندت هذه الفطرة الشاعرة عواملُ أخرى منها تلك الطبيعة التي عاش العربي الأول كل دقائقها من جبال ووهادٍ ووديان وسماء ونجوم وأمطار وسيول وكائنات. لقد كانت الطبيعة كتابًا مفتوحًا أمام بصر الشاعر العربي وبصيرته، ومن هنا استلهمها في أشعاره. ويضاف إلى الطبيعة تلك الحروب التي ألهبت مشاعره بحماسة موّارة، ثم حياة الإنسان العربي في بساطتها وفضائلها، وفي معاناته وصراعاته ضد الجدب والخوف معًا. ومن ثم جاء هذا الشعر ممثلاً لحياة الجزيرة العربية في بيئاتها وأحوالها المختلفة، ولحياة الإنسان العربي في أخلاقه وطباعه وعاداته وعقائده وبطولاته وأفكاره.

كانت للشاعر العربي في قبيلته منزلة رفيعة. كما كانت رموز القبيلة العربية الأساسية ثلاثة، هي: القائد، والفارس والشاعر. وكان الشاعر في القبيلة لسانها الناطق والمدافع معًا. بل كان بيت الشعر أحيانًا يرفع من شأن قبيلة، كما يُحكى عن بني أنف الناقة الذين كانوا يعيَّرون بلقبهم، حتى كان الرجل منهم يحتال على إخفاء لقبه، فما إن قال فيهم الحطيئة بيته الشهير:


قومٌ هم الأنف والأذناب غيرُهُمُ ومن يُسوِّي بأنف الناقةِ الذَّنبا

حتى صاروا يباهون بلقبهم ونسبهم.

يُعدُّ الشعر العربي الجاهلي سجلاً حقيقيًا للحياة العربية والعقل العربي في ثقافاته وخبراته الحية والمتنوعة، وقد كان الشِّعر الجاهليّ النموذج والمثال الذي يحتذيه اللاحقون احتذاءً حفظ على الأمة العربية أصالتها، ولكنه لم يحُلْ قَطُّ دون محاولات التطور والتجديد في مختلف العصور. وصار الشعر العربي الجاهلي مع قرينه الإسلامي مصدرًا أساسيًا في حركة التأليف في العلوم العربية والإسلامية: لغةً ونحوًا وبلاغةً وتفسيرًا، كما انبثق عنه علم العروض والقوافي، وهو أوثق العلوم صلةً بالشعر، فضلاً عن كتب المختارات الشعرية على اختلاف مناهجها، ثم تلك الشروح التي أضاءت النصَّ الشعري أمام قارئه، وبددت عامل الغرابة اللغوية، وغذت الأذواق، بل وأبقت على قريحة الشاعرية العربية، على تباين في مستوى تلك القرائح: أفرادًا وأقاليم وعصورًا.

واشتهرت في الأدب الجاهلي قصائد عُرفت بالمعلقات هي من النماذج الرّائعة في الأدب العربي. انظر : الشعر.


النثر الجاهلي. عرف العصر الجاهلي ضروبًا من النثر تمثلت في الخطابة، التي لم تكن أقل منزلة من الشعر، وإن لم يتوفَّر من نصوصها الموثّقة سوى القليل النادر، مثل خطبة قُس بن ساعدة الإيادي على ناقته، وقد أدركه النبي ³، وسمع خطبته تلك. وتدلُّ المصادر الأدبية، وبخاصة كتاب البيان والتبيين للجاحظ، على كثرة ما كان في العرب من الخطباء، ومنهم، على سبيل المثال، عدا قس بن ساعدة: سحبان وائل، وأكثم بن صيفى، وعمرو بن كلثوم أحد شعراء المعلقات، وذو الإصبع العَدْوانيّ، وزُهير بن جناب، وعامر بن الظَّرِب، وهانيء ابن قَبيصة الشيباني. ومثلما كان لكل قبيلة شاعرها، كان لها أيضًا خطيبها.

وكما دلَّ فن الشعر على خصوبة الخيال ورقة الوجدان، فالخطابة أيضًا تدلُّ على جودة البديهة، وخصوبة الذهن، وجيشان المشاعر، بحيث يتمكن الخطيب من الإقناع الذهني والاستمالة الوجدانية.

وقد خطب العرب في وفادتهم على الأمراء، وفي الأسواق الحافلة بالناس، وفي الحرب، وفي السلم، وفي الزواج، وسائر المناسبات الكبرى في حياة القبيلة. كما اشتهر من خطبهم ما عُرف بسجع الكهان. كذلك عرفت العرب في جاهليتها فن الأمثال، وهي تعكس الكثير من قيم الحياة العربية والشخصية العربية في العصر الجاهلي، بما حملته من فكر وخبرات، وبما ارتبطت به من الحكايات الطريفة، ونماذجها في كتب الأمثال، وأشملها مجمع الأمثال للميداني.هذا إلى ما تميزت به لغة المثل من إيجاز بليغ، وإيقاع جميل. انظر: الأمثال.

عرف العرب في العصر الجاهلي فنونًا أخرى من النثر، تمثلت في القصص والأخبار، وشملت قصص الأقدمين وأخبارهم، فضلاً عن قصص الأمثال، وأيام العرب انظر: أيام العرب. وكذلك قصص الجن. وهذا القصص جميعه وإن امتزج بمسحة من الخيال الأسطوري والخرافي، إلا أنه يمثل تراثًا أدبيًا دالاً على إمكانات العقل العربي، وطابع البيئة والحياة.


عصر صدر الإسلام
جاء الإسلام وأحوال العرب على ما هو مقرر معروف في كتب التاريخ والسيرة والأدب. فقد كانت الفضائل العربية من الأمور الثابتة، إذ اتصفوا بالشجاعة والكرم ونُصرة المظلوم وحماية الجار والصبر والذكاء، غير أن هذه الفضائل الخلقية والعقلية كانت بحاجة إلى ما يبرزها ويعمقها ويحميها من الضعف أو الاندثار، كما كان العرب بحاجة إلى وحدة تجمع تلك القبائل المتناثرة المتناحرة. وحين أتى الإسلام لم يكن حركة إصلاحية فحسب بل كان دينًا ورسالة ونظامًا كاملاً أحدث في جزيرة العرب وماحولها تحولاً جذريًا شاملاً أساسه العقيدة، ثم ما لبث هذا التأثير أن انتقل إلى سائر الشعوب.

وبدهيّ أن يتأثر الأدب بما تأثرت به سائر الأمور والأحوال، فقدحقق الإسلام وحدة لغوية حين اتخذ من لهجة قريش لغته، وبرز القرآن الكريم معجزًا في بيانه وأخباره وتأثيره العميق في الواقع والشخصية، كما جاءت البلاغة النبوية مستوىً آخر من الإعجاز البياني تاليًا لإعجاز القرآن.

ولعلَّ أعظم تأثير أحدثه الإسلام في الأدب، تمثل في عنايته الكبيرة بالنثر. ظهر ذلك في لغة القرآن والحديث النبوي، وفي لغة الخلفاء الراشدين والقادة والقضاة والولاة، وكلّها كانت نثرًا. ولا يعني ذلك، بطبيعة الحال، أن الإسلام أهمل الشعر، بل حرص على الإبقاء عليه، وصار حَسّان بن ثابت شاعر الرسول ³ ولقي هو وغيره من شعراء الإسلام تشجيعًا من النبي ³. وتأثر الشعر بالإسلام: لغة ومضامين. واتخذ عبد الله بن عباس من الشعر الجاهلي مادة لتفسير غريب القرآن الكريم، وكان من صحابة النبي ³ من يتذاكر الشعر الجاهلي وأيام العرب في الجاهلية والنبي ³ لا يُنكر عليهم ذلك.


أثر الإسلام في النثر. كانت عناية الإسلام بالنثر أكبر من عنايته بالشعر، وتأثيره في النثر أعمق. وهذا أمرٌ بدهي، إذ كان النثر أداة الدعوة الأولى، وأداة الإسلام الأولى للتعليم وتوجيه شؤون الجماعة الإسلامية، حين صار للعرب دولة منظمة مهيبة الجانب، ثم أصبح النثر فيما بعد أداة الإسلام في التأليف والتدوين العلمي، وفي نشأة شتى العلوم الإسلامية، والعلوم العربية المساندة لها، وعرف تاريخ الفكر الإنساني تراثًا معرفيًا عظيمًا للمسلمين.

ازدهرت الخطابة في صدر الإسلام ازدهارًا عظيمًا، إذ صارت الأداة القولية الفعالة في الدَّعوة، وفي تنظيم شؤون الدولة، وفي توجيه الجماعة الإسلامية. بل صارت الخطابة مرتبطة بالشعائر الإسلامية، وتمثّل ذلك في خطبة الجمعة ويوم عرفة والعيدين وصلاة الاستسقاء والخروج إلى الجهاد. وكثيرًا ما نطالع في كتب السيرة والسنة، صعود النبي ³ إلى المنبر يخاطب المسلمين في أمور شتى: أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر. وتُعدّ خطبة الوداع أشهر خطبه ³، وكذلك كان الخلفاء الراشدون وولاتهم من بعدهم.

صارت الخطابة ـ في العصر الإسلامي ـ أداة الجماعات الممثلة لشتى القبائل عند وفادتها على النبي، أو الخلفاء الراشدين من بعده. وكانت الخطبة الإسلامية تبدأ باسم الله ثم بحمده والصلاة والسلام على نبيه. ويُستشهد فيها بالقرآن الكريم، وتقوم على المعاني الإسلامية. وقد سجلت لنا المصادر الكثير من نصوص الخطابة وأسماء الخطباء، بما يعكس هذه النهضة الكبيرة التي أحدثها الإسلام في هذا الفن، فتفوّق العرب على أقرانهم من اليونان والرومان. وكان للأحداث دورها في تنشيط الخطابة، فضلاً عن الجهاد، واستعداد العرب الفطري لهذا الفن الذي عرفوا به، منذ العصر الجاهلي، كما عرفوا بالشعر.

نشط في هذا العصر فن آخر، هو فن الرسالة حيث اضطلع بما لم تضطلع به الخطبة والقصيدة، وتمثَّل ذلك في رسائل النبي ³، وأولها يتمثل في الكتاب الذي كتبه النبي ³ حين نزل المدينة، يخاطب فيه المهاجرين والأنصار، ويحدد المعالم الأساسية للجماعة المسلمة في وحدة عقيدتها وزوال الفوارق والنعرات القبلية. كما بعث النبي ³ برسائل شتى إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، ومن أبرزها رسالته إلى هرقل ملك الروم، وإلى المقوقس عظيم مصر.

ويلحق بالرسائل نصوص المعاهدات، ومنها تلك المعاهدة المكتوبة بين النبي ³ وبين قريش عام الحديبية، وفيها اتفاق على هدنة مدتها عشر سنوات "وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل». ومن هذه المعاهدات معاهدته مع أهل نجران، يبين لهم فيها ما عليهم من خراج ثم يقول: "ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم وأنفسهم وملّتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وتبيعهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير".

وفي هذا المقام يُشار إلى حقيقتين مهمتين: الأولى، كثرة ما ورد إلينا من العصر النبوي من نصوص خطابية ورسائل ومعاهدات، وقد نالت هذه النصوص عناية كبيرة من رجال الحديث والمؤرخين، حتى صارت متواترة مشهورة في كتب السيرة والأحاديث والتاريخ، ولها أسانيدها ورواتها. والحقيقة الثانية، أن قدرًا كبيرًا من تلك النصوص قد أصبح معروفًا واستفاضت به المصادر، لأنها اعتُبرت وثائق تاريخية، ومصادر دينية، ونصوصًا أدبية رفيعة المستوى، تعكس هذا التحوّل الكبير الذي أحدثه الإسلام في النثر على وجه الخصوص.

والأمر الذي لا شك فيه أنه كان لانتشار الكتابة منذ عصر النبوّة أكبر الأثر في حفظ هذه النصوص النثرية وتدوينها، بل والثقة بها. ولا شك أيضًا في أن الإسلام قد نشط في محو الأمية، وحث المسلمين على تعلُّم الكتابة والقراءة ونشرها بين الأفراد والجماعات، حتى تمكنوا من تدوين القرآن الكريم على نحو بلغ من الدقة ما لم يبلغه كتاب سماوي، كماشهدت السنّة النبوية بدايات التدوين الدقيق الموثق منذ العهد النبوي. وكان ذلك نواةً لنشأة حركة التأليف والترجمة فيما بعد.


أثر الإسلام في الشعر. تَمَـثَّـل أول أثر للإسلام في الشعر في تلك المعاني الإسلامية الجليلة التي حملها الشعر الإسلامي، فصارت قيمًا راسخة في العقيدة والأدب الإسلامي. كما كان للإسلام أثره في توجيه أهداف الشعر، إذ لم يَعُد هدف الشاعر المسلم التفوق والتميز، أو دعم القيم القبلية، أو التكسُّب وإراقة ماء الوجه. بل صار هدفه، الدِّفاع عن العقيدة والقرآن والنبي ³.

لم يقتصر الشعر على عصر النبوة وحدها، بل تجاوزه إلى عصر الخلافة الراشدة، وكان له دوره في الأحداث الكبرى خلال هذا العصر، كحروب الردّة في خلافة أبي بكر الصديق، وفتوحات عمر وحُسْن بلائه، وأحداث الفتنة الكبرى بين معاوية وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، وأشياع كل منهما.

وتردَّدت خلال عصر الخلافة الراشدة أسماء شعراء من أمثال: المخبَّل السَّعْدي، والنابغة الجَعْدي، وأبي الأسود الدُّؤلي، وخُزيمة الأسَدِيِ، وغيرهم.


العصر الأموي (41-132هـ ، 661-749م)
أصابت الدولة الإسلامية في العصر الأموي حظًا كبيرًا من الاتساع والتحضر عن طريق الفتوحات، والتطور العمراني والسياسي والعلمي، فقد ألقت الفتوحات إليها بالمال. أما التطور العمراني فتمثل في اقتباس أساليب العمران والزراعة والإدارة التي تمثلت في تطوير الدواوين وتنظيم شؤون الحكم والمال، فضلاً عن اتساع مجالات الاستثمار. كما تطورت مظاهر الحياة المادية، من مسكن وملبس ومأكل ومركب.

ظهرت في العصر الأُموي تيارات علمية ثلاثة هي تيار التراث الجاهلي شعرًا وقصصًا وأمثالاً وأنسابًا، وتيار التراث الإسلامي تفسيرًا وحديثًا وفقهًا وقراءاتٍ وسيرة، وتيار الثقافات الأجنبية أدبًا وترجمة ومعارف منوعةً. فنشأت من ثمّ مدارس فكرية متعددة، تباينت في الأخذ بواحد من هذه التيارات، أو بالجمع بينها. وهذا أمر طبيعي في نشأة الحضارات والثقافات في تاريخ الأمم. وقد ظهرت أسماء لامعة تُعدّ رموز ًا للعلوم في العصر الأموي، منها على سبيل المثال: وهب بن مُنبِّه وعُبيد بن شَريّة، وهما معْنيان بالتاريخ والأخبار والقصص، ودَغْـفَل النسابة، وأبان ابن عثمان وعروة بن الزُّبير المختصان بمغازي الرسول ³، وظهر في مجال العلوم الإسلامية جيل جديد، كان يمثِّـله تلاميذ عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر. ومن هذا الجيل رجاء وعِكْرِمة وسالم بن عبدالله بن عمر وطاووس والشَّعْبي وسعيد بن جُبير وابن سيرين والحسن البصري وقتادة والأوزاعي.

والحقيقة أن تيار الثقافة الأجنبية كان ذا شقين، شِق عملي تطبيقي تمثل في اقتباس أساليب التخطيط والعمارة والإدارة والاستثمار وبناء الأساطيل، وشِق نظري، يمثل الثقافات الفلسفية والطبية والكيميائية وديانات أهل البلاد المفتوحة. وقد جاءت هذه الثقافات الأجنبية نتيجة للفتوحات وتشجيع حكام الأمويين الحركة العلمية وترجمة الكتب الأجنبية. وقد تنوعت مصادر هذه الثقافات بين فارسية وهيلينية وهندية وسريانية. وبرزت أسماء جديدة رمزت إلى تلك الثقافات الأجنبية منها سويرس سيبوخْت ويعقوب الرّهاوي وجورجيس ويوحنا الدِّمَشْقي. والناظر في المصادر القديمة تهوله هذه الكثرة من أسماء المترجمين أو المثقفين بثقافات أجنبية وبعناوين الكتب الأجنبية وأسماء مراكز هذه الثقافات في بلاد فارس والشام والعراق ومصر.

وتدُّل تلك الجهود على أن تيار الثقافة الأجنبية لم يبدأ في العصر العباسي، بل كانت بدايته في العصر الأموي، وبتشجيع من الحكام. ثم نما ذلك التيار في العصر العباسي، الذي انتفع بجهود الأمويين، ثم زاد عليها، وجنى ثمارها. وإذا كانت الفتوحات قد أثمرت هذا الرصيد من المعارف الأجنبية، فقد أثمرت أيضًا هذا الثراء الواسع، وهذا الخليط من الأجناس الذي امتزج بمجتمعات الحواضر العربية، وكان له تأثيره في العادات والتقاليد، ثم في إحداث حركة عريضة في الغناء والموسيقى، وكان له أثره في الشعر العربي، كما كان لما أحدثه من اتساع بالغناء أثره أيضًا في ذلك الشعر. وهنا تبرز أسماء لمشاهير المغـنِّـين والمغنيات مثل طُوَيس ومَعْبد وسائب خاثر، وعزة الميلاء وسلاَّمة القَس وجميلة.

أدت الحواضر العربية دورًا كبيرًا في الحركة الأدبية العقلية والغنائية، إذ عملت كل من البصرة والكوفة على جمع التراث العربي الإسلامي، رواية وتدوينًا، لغةً وشعرًا وأخبارًا وحديثًا وفقهًا. وتهيأت المدينتان الكبيرتان لأن تكونا مدرستين متنافستين في رواية الأدب، ثم في اللغة والنحو. أما مكة والمدينة فاشتهرتا بالعلوم الدينية، كما نشطت فيهما حركة الشعر. وأما سوق المربد فتحوّل من مجرد سوق إلى مركز أدبي نشط على مشارف البصرة. انظر: أسواق العرب.

عرف العصر الأموي عددًا من الفرق الدينية السياسية، كالشيعة والخوارج والزُّبيريين، وكان لكل فرقة رجالها وآراؤها في الخلافة، بل كان لكل فرقةٍ شعراؤها وخطباؤها ومنابرها، وقد دخلت هذه الفرق في صراع ذي شقين: شِق سياسي، حيث قاوموا حكم الأمويين بالمعارضة والجدل، وشّق عسكري تمثل في مقاومة الأمويين بالحروب والثورات. وانعكس صراع تلك الفرق على الحياة الأدبية من جَدل ومناظرات قوامها البرهان والدليل.


الشعر. ارتبط الشعر العربي بالعصر الأموي ارتباط الخصوصية، بمعنى أن ثمة فنونًا شعرية جديدة ظهرت في العصر الأموي واختفت بزواله، فالنقائض بشكلها المعروف وتقاليدها الجديدة هي ثمرة من ثمار الشعر الأموي، وكان أبرز شعرائها الفحول الثلاثة، جرير والأخطل والفرزدق. كما أن الشعر السياسي بصبغته المعروفة هو ابن شرعي لهذا العصر، فقد كان لكل فرقة شعراؤها، مثل الكميت شاعر الهاشميين، وابن قيس الرقيّات شاعر الزبيريين وغيرهما. انظر: الشعر.

أمّا الغزل فبالرغم من أنه من أغراض الشعر القديمة المعروفة، إلاّ أنه لقي في هذا العصر اهتمامًا كبيرًا، وأصبح تيارًا قويّا له شعراؤه وجمهوره ومدارسه، وكان أشهر تياراته تيار الغزل العذري العفيف وزعيمه جميل بن معمر، والغزل الصريح اللاهي وزعيمه عمر بن أبي ربيعة. انظر: الشعر.

وعلى كلٍّ فإنّ بني أمية كانوا يتمتعون بحسٍّ أدبي عربي جعلهم يشجعون الشعراء ويعقدون لهم المجالس، ويُجزلون لهم العطاء، بل كان منهم شعراء ذوو أثر في حركة الشعر كالوليد بن يزيد.

كما كان بعضهم يكتب إلى الشاعر أو الراوية فيستقدمه من العراق إلى الشام على البريد كما فعل هشام ابن عبد الملك مع حماد الراوية.


النثر. وأول فنونه وأكثرها ازدهارًا فن الخطابة، الذي نهضت به عوامل مختلفة، أبرزها العوامل السياسية ممثلة في الفرق والثورات المختلفة، ثم عروبة بني أمية وولاتهم من أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي، ثم هناك عامل الجهاد الذي اتسع في عهد الدولة الأموية بحكم رغبتهم في توسيع رقعة الدولة الإسلامية. وهناك عامل آخر مهم هو نمو تيار الوعظ الديني، الذي تمخض عن خطباء كُثْر. وأشهر الخطباء الأمويين معاوية نفسه وعبد الملك بن مروان وعمر ابن عبد العزيز. ومن ولاتهم الحجاج بن يوسف الثقفي وزياد بن أبيه. أما خطباء الفرق، فإن أشهرهم من الخوارج أبو حمزة الشاري ونافع بن الأزرق والطرمَّاح بن حكيم. ومن خطباء الزبيريين رئيسهم عبد الله بن الزُّبير نفسه.

وإلى جانب الخطابة السياسية عرف العصر الأموي الخطابة الدينية الوعظية، ومن أشهر خطباء هذا التيار: سعيد ابن جُبير وعبد الله بن عمرو بن العاص وسعيد بن المسيِّب والحسن البصْري. وقد اتسع هذا التيار الخطابي وكثر رجاله، وزخرت المصادر بنصوصه. كما وُجدت خطابة الوفود إذ كان معاوية بن أبي سفيان أول من فتح أبواب قصره للوفود التي وفدت إلى ساحته. وممن خطب بين يدي معاوية سحبان وائل والأحنف بن قيس.

وقد عرف العصر الأموي فنـًّا أدبيًا نثريًا آخر، هو فن الرسائل. انظر: الرسائل.


العصر العباسي (132 - 656هـ، 749 - 1258م)
قامت الدولة العباسية على أثر ثورة ضد الأمويين كان العباسيون قد أعدّوا لها في روّية وإحكام وسريّة عام 132هـ، 749م. وسقطت الدولة العباسية بسقوط بغداد على أيدي التتار عام 656هـ، 1258م. وقد اصطلح المؤرخون على تقسيم هذه الخلافة العباسية إلى ثلاثة عصور هي: العصر العباسي الأول، من قيام الخلافة العباسية إلى أول خلافة المتوكل (132 - 232هـ، 749 - 846م)، والعصر العباسي الثاني (232 -334هـ، 846 - 945م) من خلافة المتوكل إلى استقرار الدولة البويهية، والعصر العباسي الثالث (334 - 656هـ ، 945 - 1258م) من استقرار الدولة البويهية إلى سقوط بغداد على أيدي التتار.


العصر العباسي الأول (132 - 232هـ ، 749 - 846م). حققت الدولة الإسلامية في ظل العباسيين تقدمًا حضاريًا كبيرًا، إذ أفادت من جهود الأمويين ثم زادت عليها أضعافًا تأليفًا وترجمة، فضلاً عن ازدهار فنون الغناء والموسيقى والعمارة، وازدهار وسائل العيش في الملابس والمساكن والطعام والشراب. وكان لخلفاء بني العباس إسهام كبير في تشجيع المدّ الحضاري وتغذيته، فعقدوا المجالس للأدباء والعلماء والمغنين، وأجزلوا العطاء، وأنشأوا المكتبات ودور العلم، وجلبوا الكتب الأجنبية من شتى البقاع.

كانت دمشق حاضرة الخلافة الأموية، ثم صارت بغداد حاضرة العباسيين، وزخرت بالشعراء والعلماء وأهل الفن. وإذا كان الأمويون أدخلوا الثقافة البيزنطية، فإن العباسيين قد تأثروا بالثقافة والحضارة الفارسية.

كان من الأمور الناجمة عن الثراء والترف والامتزاج بالشعوب التي فتحت بلدانها أن نشأت تيارات منحرفة تمثلت في الشعوبية والزندقة والمجون. أما الشعوبية فهم أولئك القوم الذين عادوا العرب، ولم يروا فيهم إلا بدوًا ورعاة غنم وسكان خيام، ومجرّد قبائل لم تجمعهم دول منظمة مثل غيرهم من الأمم كالروم والفرس. ويعكس تيار الشعوبية حقد الشعوب المغلوبة على الأمة العربية التي حباها الله برسالة الإسلام، وحقق لها الغلبة على أعداء هذه الرسالة. ومن أشهر دعاة الشعوبية: علاَّن الشعوبي وسهل ابن هارون وبشار بن بُرد وأبو نواس.

يفسّر الجاحظ في عبارة له تيار الشعوبية فيقول: "إن عامة من ارتاب بالإسلام إنما كان أولُ ذلك رأي الشعوبية والتمادي فيه وطول الجدال المؤدّي إلى الضلال، فإذا أبغض شيئًا أبغض أهله، وإن أبغض تلك اللغة أبغض تلك الجزيرة، وإذا أبغض تلك الجزيرة أحبَّ من أبغض تلك الجزيرة، فلا تزال الحالات تنتقل به حتى ينسلخ من الإسلام، إذ كانت العرب هي التي جاءت به، وهي السلف والقدوة". وعبارة الجاحظ هنا تصور بدقة العلاقة بين الزندقة والشعوبية باعتبارهما تيارًا معاديًا للعرب والإسلام معًا.

أما الزندقة، فقد نجمت عن الامتزاج بشعوب من نحَل وديانات شتى، منها المانوية والمزْدكية والزرادشتية. وقد تعقَّب خلفاء بني العباس هذا التيار بحزم، وبخاصة الخليفة المهدي، الذي اتخذ ديوانًا خاصًا لتعقّبهم. وكان للكتب التي حملت أفكار الزندقة أثرها في طائفة من ضعاف النفوس. ويوجد دائمًا في فترات الانفتاح العقلي من يولع بالتقليد لأرباب الأفكار الشاذة المستوردة، ويميل إلى اعتناقها والولاء لها أكثر من أربابها.

ومن أشهر زنادقة ذلك العصر: ابن المقفَّع، الذي قال فيه الخليفة المهدي: "ما وجدت كتاب زندقة قطّ إلا وأصله ابن المقفع". ومن هؤلاء الزنادقة أيضًا: صالح بن عبد القدوس الشاعر، وبشّار بن بُرد. وإذا كنا قد خصصنا المهدي بالإشارة في تعقب الزنادقة فإنّ غيره من خلفاء بني العباس لم يقلوا عنه تحمسًا للعقيدة وتعقبًا لأعدائها من الزنادقة.

وإذا كان الخلفاء وولاتهم قد تعقَّبوا الزنادقة قتلاً وقمعًا، فإن المتكلمين تعقبوهم حوارًا ومناظرة، وكثيرًا ما كان الحوار يجري بحضور الخليفة. كما تعقَّبوهم أيضًا من خلال نقض آرائهم في مقالاتهم ورسائلهم ومناظراتهم.

أما تيار المجون، فقد كان أيضًا أحد الوجوه السلبية للاختلاط بالأعاجم وانفتاح المجتمع العربي المسلم على عقائدهم وعاداتهم وأخلاقهم من خلال هذا الاختلاط ومن خلال حركة الترجمة والنقل التي اتسعت في هذا العصر اتساعًا عظيمًا. والأمر الذي لا شك فيه أنه كان ثمة علاقة وثيقة بين هذه الظواهر الثلاث، وهي: الشعوبية والزندقة والمجون، وذلك بحكم أنها جميعها كانت صادرةً عن مصدر واحد، هو المصدر الأجنبي، كما كانت صبغة العداء للدولة الإسلامية تشكَّل عاملاً مشتركًا بينها. وحين نطالع المصادر الأدبية في العصر العباسي يطالعنا أدب مصطبغ بالمجون في شعره وقصصه وأخباره. وفي كتاب الأغاني الكثير من أخبار أبي نواس وأشعاره، وكذلك مطيع ابن إياس وحماد عجْرد، وسواهم.

ومع كل ما تقدم فلا ينبغي التصور بأنَّ حياة المجتمع العباسي قد أسلمت قيادها تمامًا للشعوبية والزندقة والمجون، وأن هذه الحياة قد تحلَّلت من كل قيود العقيدة والأخلاق، فلقد كان لتيار الدين سلطانه الذي لم يُقهر، إذ ظهر الزهد والزهَّاد، بل ظهرت بواكير التصوف، هذا إلى جماهير العلماء والوعاظ وأهل النُسْك، ومجالسهم التي عمرت بها أرجاء بغداد في مساجدها ورباطاتها وقصورها. ومن هؤلاء عبد الله بن المبارك، وسفيان الثَّوري، ومعروف الكرْخي، وابن السَّمَّاك. كما كان من وعاظ البصرة: موسى الأسواريّ الذي وصفه الجاحظ بقوله: " كان من أعاجيب الدنيا، كانت فصاحته بالفارسـية في وزن فصاحته بالعربية".

على أنه ينبغي ألا نُغفل تيار الحركة العقلية، إذ نضجت العلوم، ورسخت مناهج البحث فيها، وكثرت المؤلفات في علوم الدين عقيدة وشريعة، فضلاً عن المؤلفات اللغوية والنحوية، وكتب الأدب الخاص، ودواوين الشعراء. وقد كان التيار الديني والتيار العقلي يحاولان معًا كبح تيارات الشعوبية والزندقة والمجون. وإذا كانت هذه التيارات قد أحدثت آثارها السَّلبية في المجتمع فإنها شكلت لونًا من ألوان التحدي للعقل العربي، فراح يقاومها بكل سبيل، كما حفزت همم أهل الغيرة الدينية للتصدي لها والتغلب عليها. وهكذا شهدت الساحة لونًا من الصراع العقلي والروحي. فكان للإسلام تأثيره الواسع في أنحاء الدولة الإسلامية، وانتشرت اللغة العربية، وتعربت الشعوب الأعجمية. وإذا كان من الأعاجـم من عادى الإسـلام وأهله، فإن جمهورهم الـغالب كان سندًا للإسـلام، وعضدًا للمسلمين.

الشعر. حقق الشعر في هذا العصر تطورًا كبيرًا في أغراضه وأفكاره وفي شكله الفني، وزنًا وقافية ولغة. وهذه نتيجة طبيعية لاتساع جوانب التجربة العقلية عن طريق الترجمة والاختلاط بأجناسٍ بشرية مختلفة، وتطور المعارف الدينية واللغوية والأدبية، واتساع حركة التأليف، وظهور المعارف الفلسفية. وفي هذا العصر ظهر من يطلق عليهم الباحثون الشعراء المحدثون، أو الشعراء المولّدون، مثل بشار وأبي نواس ومطيع بن إياس.

وترتب على تطور الشعر في تلك الحقبة نشأة صراع حادٍ بين أولئك المحدثين، ومن تصدّى لهم من المحافظين في ما يسمى اصطلاحًا قضية عمود الشعر. أي: (الأصول التقليدية المرعية للقصيدة العربية). وكان للغويين خاصة دور كبير في تمثيل تيار المحافظين، وبخاصة في جانبي اللغة والصورة الفنية للقصيدة العربية. وقد تبدت مظاهر التطور الشعري في الأغراض والمعاني، والوزن، والقافية، وبناء القصيدة، واللّغة.

الأغراض والمعاني. هناك أغراض جدّت واستحدثت، وأغراض بقيت على ماكانت عليه، مع شيءٍ من التجديد في بعض عناصرها. فمما جدَّ من الأغراض الزهد الذي كان أبو العتاهية رمزًا بارزًا له، وهناك أبو نواس، وهو وإن اشتهر بالمجون والخمريات، فقد ألمّ بشيء من الزهد في بعض شعره في أخريات حياته. وقد كان هذا الزهد إسلاميَّ الطابع، ومن هنا حفلت الزهديات بالكثير من قيم التقوى وترقب يوم الحساب والإعراض عن ملذَّات الحياة الزائلة. وكان هذا الشعر يمثل تيار ردّ الفعل لشعر المجون والخمريات. ومن الأغراض الجديدة الشعر التعليمي. كما ظهر لون جديد من الشعر هو الشعر الفكاهي الذي ضم النوادر المضحكة، والمعاني الفكهة. وقد هيّـأ لظهور هذا اللون الجديد جو المرح واللهو في هذا العصر، وانتشار مجالس الأنس والسّمر، خاصة في قصور الخلفاء والولاة والأعيان. ومن هذا ما نجده لدى بشّار في أبيات له تحكي قصة عشق حمارٍ لأتانٍ، وفيها يقول بشّار على لسان حماره:


سيــدي مِلْ بعناني نحو باب الأصبهاني
إن بالبــاب أتـانـــًا فَضلــتْ كـلَّ أتـــان
تَيَّمتني يـوم رحـنــا بثنــاياهــا الحســـان
وبحســـــنٍ ودلالٍ سـلَّ جسمي وبراني
ولهـا خــدٌ أســـيل مثـل خـد الشيفـران

ثم سأل أحدُ الجالسين بشارًا عن معنى لفظ الشيفران، فأجابه بشار: هذا من غريب الحمار فإذا لقيتم حمارًا فاسألوه. وواضح أن الكلمة مرتجلة إمعانًا من الشاعر في التفكُّه، وكان تفسير بشار لها أكثر فكاهةً. وواضح من الأبيات سخرية الشاعر من شعراء الغزل في عصره خاصة. كما أن هذا اللون الجديد من الشعر الفكاهي قد استخدمه فريق من الشعراء للسخرية والنقد لبعض ما لا يروقهم من الأفكار والعادات.

ظهر في هذا العصر أيضًا ما يسمى بشعر الطرديات وهو ذلك الشعر الذي يصف رحلات الصيد والطرائد وكلاب الصيد والصقور، وما إلى ذلك. وهذا الغرض وإن كانت له جذور فيما سبق من العصور فقد اتسعت جوانبه، وتفنن فيه الشعراء حتى صار فنًا جديدًا، وكان أبو نواس من أبرز الشعراء ميلاً لهذا الغرض. ولا شك أن حياة الترف والثراء كانت وراء هذا الغرض الشعري. كما ظهر شعر الشكوى من البؤس، الذي كان تعبيرًا عن بعض مظاهر الفقر، كما كان سواه صدى لحياة الثراء والترف، وقريب من شعر الشكوى من البؤس شعر الشكوى من العاهات، وهو ضرب من رثاء ما ذهب من الأعضاء أو الحواس، مثل أشعار أبي يعقوب الخريمي الذي أكثر من بكاء عاهة العمى لديه، وتصوير مشاهده ومواقفه بكل صدق. وقد كان هذا الغرض الشعري وأمثاله من الأغراض نتيجة لعمق الوعي بالذات، فضلاً عن رقَّة المشاعر التي اكتسبها الشعراء، خاصة بحكم ما أصاب الحياة من التحضر والرفاهية. كما أن دقة تصوير الشعراء للنفس البشرية في أدق خلجاتها كانت نتيجة لاتساع ألوان الثقافة، التي تثري التجربة الشعرية وتكسبها العمق والاتساع.

أما الأغراض التي بقيت مع شيء من التطوير فمنها، على سبيل المثال، المديح، وهو غرض عريق شائع في الشعر العربي، غير أن الشعراء المحدثين أثروه بما أدخلوا عليه من عمق التحليل للفضائل النفسية والخلقية، نتيجة لما اكتسبوه من الثقافات، ومثل ذلك شعر الهجاء، فقد تناولوه أيضًا بشيءٍ من البسط والتحليل للأخلاق، ولكن في جوانبها السلبية. على أن شعراء هذا العصر بمدائحهم وأهاجيهم قد تغلغلوا في النفس البشرية وكشفوا عن كوامنها، كما أنهم بتناولهم للفضائل والرذائل رسموا المثُل التي ينبغي الإقبال عليها.

ولعل شعر الرثاء، وإن كان غرضًا قديمًا، قد أصابه حظ غير قليل من التطور، فلم يعد رثاءً للناس فحسب، بل صار رثاءً للمدن والأماكن، كرثاء بغداد على أثر ضربها بالمنجنيق في عصر الأمين، حيث عمّها الخراب، وعاث في جوانبها المفسدون.

كما طرأ تغيُّرٌ على الرِّثاء ليصبح رثاءً للحيوان والطيور المستأنسة، وقد استكثر أحمد بن يوسف الكاتب من هذا اللون الطريف، الذي يدل على اتساع آفاق الإبداع الشعري نتيجة لاتساع آماد الثقافة.

ويمكن القول إجمالاً أنه ما من غرض شعري قديم إلا دخله التطوير والتجديد على أيدي الشعراء المحدثين، على تباين في ذلك.

اللغة. امتدت حركة التجديد في الشعر إلى اللغة وذلك من جملة وجوه توجز فيما يلي:

أولاً: سهولة الشعر، ولا يعني هذا أن الشعراء المولعين باللفظ الغريب قد انقرضوا، فقد بقي منهم أمثال أبي البيداء الرياحي وابن الدُّمينة وأبي ضمضم الكلابي، وقدكانوا من أهل البادية، كما كانوا رواة للشعر القديم وللغة.

على أن هذه اللغة السهلة التي عمد إليها الشعراء المحدثون، لقيت إنكارًا من علماء اللغة الذين لم يكن ذوقهم يسيغ إلا الشعر القديم بألفاظه الغريبة، وذلك لسببين: الأول يتعلق بقضية الاحتجاج اللغوي، والثاني أنهم كانوا يقتصرون على رواية الشعر القديم ويتخذونه مادةً للتعليم، ويعتقدون أن هذا الشعر القديم هو الوعاء الحقيقي لأصول اللغة.

ثانيًا: استخدام بعض الألفاظ الأعجمية، ومن أشهر الشعراء في ذلك أبو نواس إذ كان يستكثر من هذه الألفاظ، حتى لتأتي بعض عباراته الشعرية فارسية خالصة، ولا شك أن امتزاج الأعاجم بالعرب قد قيَّض لهذا الشعر شيئًا من الرواج.

ثالثا: مخالفة بعض الشعراء للأقيسة المعروفة في اللغة، مما جعل نقاد هذا العصر يتهمون الشعراء بالخروج على أصول العربية، مع أن في كثير من مخالفات هؤلاء الشعراء ما يمثل لهجة عربية أو يكون من قبيل الضرورات الشعرية. يقول ابن قتيبة ـ دفاعًا عن لغة أبي نواس: "وقد كان أبو نُواس يُلَحَّنُ في أشياء من شعره لا أراه فيها إلا حُجّة من الشعر المتقدم وعلى علَّةٍ بيِّنة من علل النحو".

وخلاصة ماتقدم أن التجديد في عنصر اللغة خاصة قد أثار تيار الصراع بين القديم، الذي كان يمثّله اللغويون بمعاييرهم التقليدية المتشددة، وبين الشعراء المولدين يساندهم فريق من أنصار حركة التجديد، وعلى رأسهم ابن قتيبة.

الأوزان. تطور شعر هذا العصر في أوزانه، فعمد المولَّدون خاصة إلى المقطعات وإلى المجزوءات، واستكثروا من الأوزان الخفيفة الزاخرة بالإيقاع وبخاصة المقتضب والمتدارك، والوزن الأخير أغفله الخليل واستدركه عليه تلميذه الأخفش.

وفي تجديد الشعراء في القافية استحدثوا ما يسمى بالمزدوج والمسَمّطات. والمزدوج نوع من النظم المتعدد القوافي، إذ تختلف القافية فيه من بيتٍ إلى بيت، ثم تتحد القافية في الشطرين المتقابلين، وتكون على بحر الرجز. وقد كثر استعماله في المنظومات التعليمية بوجه خاص.

أما المسمَّطات فهي قصائد تتألف من أدوار، يتركب كل دور من أربع شطرات أو أكثر، وتتفق شطرات كل دور في قافية واحدة، عدا الشطر الأخير، فإن قافيته تكون مخالفة.

بناء القصيدة. من أهم عناصر التجديد الشعري ما يتعلق ببناء القصيدة، فقد تخلَّص الشعراء المولّدون من المقدمات الطللية التي كانت لدى القدماء، وتجاوزوها إلى أطلال مستحدثة اقتضتها تطورات الحياة، فكان هناك أطلال القصور في المدن تستقل بها قصائد تامة، ولا تتوقف عند المقدمة، ومنها سينية البحتري التي وقف فيها على أطلال إيوان كسرى وصوَّر لوحاته الفنية المنقوشة على جدرانه. وأحيانًا يستخدم الشاعر العباسي مقدمات لقصائده في وصف الطبيعة في المدن، وهي تتمثل في الحدائق التي افتن العباسيون في تنسيقها، كما اتخذوها متنزهات لهم.

النثر. إذا كان فن الشعر قد تطور على هذا النحو، فإنه من البدهيّ أن يتطور النثر، بحكم أن النثر ألصق بالواقع وأن الحاجة إليه في أمور الحياة أكثر. وكان هذا التطور نتيجة طبيعية لهذا السيل من الثقافات الأجنبية المتنوعة في مصادرها وفي أجناسها، ونتيجة لاتساع مجالات الحياة في هذا العصر. وقد استجاب النثر العربي لحاجات الواقع الاجتماعية والسياسية والعقلية والدينية، وأثبتت اللغة العربية مرونتها وقدرتها على التعبير عن هذه الحاجات جميعها. وسوف نتناول هنا ـ في إيجاز ـ أهم أشكال النثر في هذا العصر بادئين بفن الخطابة.

عرف العصر العباسي أشكالاً من الخطابة، منها الخطابة السياسية، والخطابة الدينية، والخطابة الحفلية، فأما الخطابة السياسية فإنها قويت في أول العصر العباسي بحكم استخدام العباسيين لها في تثبيت سلطانهم ومقاومة أبناء عمومتهم من العلويين، وبسبب قوة القريحة التي تميز بها أوائل خلفاء بني العباس كأبي عبد الله السفّاح وأبي جعفر المنصور والرشيد والمأمون، لكن الخطابة السياسية لم تلبث بعد هذا أن ضعفت حين ترسخ سلطان العباسيين، وحين جاء من بني العباس جيل ضعفت فيه القريحة الخطابية، وبشكلٍ عام، فإن الخطابة السياسية لهذا العصر كانت أضعف مما كانت عليه في العصر الأموي.

عرف هذا العصر الخطابة الدينية، ومارسها بعض الخلفاء، وتوسع فيها الوعاظ. فمن الخلفاء هارون الرشيد، الذي تدل النصوص على بلاغته وقوة قريحته فضلاً عن تقواه وورعه. غير أن الخطابة الدينية لدى الخلفاء العباسيين باستثناء القلة النادرة كانت ضعيفة المستوى بشكل عام. أمّا الوعاظ فقد نهضت على أيديهم الخطابة الدينية بحكم تخصصهم وبسبب ماتميز به أكثرهم من الفصاحة والبيان، فضلاً عن سعة ثقافتهم. وعمق مشاعرهم الدينية، وأشهر هؤلاء الخطباء الوعاظ عمرو بن عبيد المعتزلي واعظ الخليفة أبي جعفر المنصور، وصالح بن عبد الجليل واعظ المهدي، وابن السمّاك واعظ الرشيد، ومنهم أيضًا موسى بن سيّار الإسواري، وصالح المرِّي، ولهؤلاء نصوص خطابية أوردتها كبريات المصادر التاريخية والأدبية، ويزخر كتاب البيان والتبيين للجاحظ بالكثير من نصوصهم الخطابية، فضلاً عن وصف الجاحظ لهم ولأدبهم.

والفن النثريّ الثاني هو فن المناظرة، وقد بلغ في هذا العصر مبلغًا كبيرًا من الازدهار، فاق ما سبقه من العصور، والسبب واضح، وهو أن العصر شهد من اتساع المعارف وتنوعها الشيء الكثير، وجدير بهذا الاتساع والتنوع أن ينتج خلافًا في الآراء، واختلافًا في الاتجاهات، فكانت هناك الفرق التي تتناظر فيما بينها، أو تناظر إحداها خصوم الإسلام من أهل الكتاب وأصحاب العقائد الفلسفية وأهل الزنَّدقة. وأشهر هذه الفرق المعتزلة، وأشهر مناظريهم أبو الهذيل العلاف والنَّـظَّام. وكان للمناظرة أكبر الأثر في نشأة علم البلاغة وتطوره، وذلك لحاجة المتناظرين إلى البيان الناصع والحجة القوية وحضور البديهة وتشقيق المعاني والقدرة على تحليلها.

ظهر نوع من المناظرة لا يقصد إلى انتصار عقيدة أو ترسيخ مبدأ، بل كان هدفه الجدل للجدل، والتدليل على البراعة في الاحتجاج والاستدلال، وهو لون من ألوان الترف العقلي الناجم عن سيطرة الجو الجدلي على ساحة المعرفة، وقدرة العقل على اكتساب المزيد من القدرة على الحوار والانتصار. فمن ذلك مثلاً تلك المناظرة الطريفة في المفاضلة بين جمال الديك وجمال الطاووس، ففريق ينتصر للأول، وآخر ينتصر للثاني، وكل منهم يورد من طريف الحجج ما يثير العجب حقًا.

ومن الفنون النثرية لهذا العصر فن الرسالة الديوانية وما يلحق بها من العهود والوصايا والتوقيعات. انظر: الرسائل؛ التوقيعات.


العصر العباسي الثاني (232 - 334هـ ، 846 - 945م). وأول خلفائه هو المتوكل على الله العباسي، ونهايته ظهور الدولة البويهية. وإذا كان للفرس في العصر الأول، نفوذهم الثقافي والحضاري الذي ظهرت آثاره في الأدب والمجتمع، فقد كان للترك نفوذهم السياسي في هذا العصر من خلال تحكمهم في الخلفاء، مما كان له أثره في إضعاف الخلافة العباسية. وكان الترك فرسانًا ولكنهم لم يكونوا حملة تراث أدبي أو حضاري.

تزايد الترف في عهد الخلفاء العباسيين، ومع تزايده ازدهرت حركة الغناء والموسيقى، وعُرف من المغنِّين والموسيقيين في هذا العصر عمرو بن بانج وابن المكي وعثْعث وسليمان الطبّال وصالح الدفاف وزُنام الزامر، ومن المغنيات عَريب وبدعة وشارية وجواريها.

دخلت الموسيقى في هذا العصر مرحلة جديدة من التطور، وهي التأليف، واختراع بعض الآلات، فظهرت مؤلفات لكل من الكِنْدي والفارابي، الذي ألف وشارك في تطوير بعض الآلات الموسيقية واخترع آلة العود كما ألف في الموسيقى إسحاق الموصلي، وعُدّت مؤلفاته، فيما بعد، مصادر أساسية لكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني. انظر: الأغاني، كتاب. حيث نجد في تضاعيفه نقولاً كثيرة عن مصادر مختلفة.

وكما عرف العصر السابق الشعوبية والزندقة والمجون، وعرف تيار رد الفعل ممثلاً في الزهد والتصوف، فكذلك كان هذا العصر. وكلا التيارين كان له أنصاره، وكان له صداه في الأدب شعرًا ونثرًا. ومثلما تصدى المتدينون لتياري الزندقة والمجون، تصدّى للشعوبية فريق من الأدباء أمثال الجاحظ وابن قتيبة. وللجاحظ مقالات وردود على الشعوبية في كتابه البيان والتبيين خاصة، كما أن لابن قتيبة مبحثًا سماه كتاب العرب أو (الرد على الشعوبية). ومن عجب ألا تكون الشعوبية مجرد أقوال بين الناس، بل إن الشعوبيين ألّفوا كتبًا في النَّيل من العرب واحتقار شأنهم، وقد سجّل صاحب الفهرست عناوين لبعض هذه الكتب، مثل كتاب فضل العجم على العرب وافتخارها لسعيد بن حميد بن النْختكان.

ونشطت الحركة العلمية في هذا العصر نشاطًا كبيرًا، تمثل في العناية بالتعليم، لا فرق في ذلك بين الخلفاء وولاتهم، وبين العامة. وكانت المساجد مراكز نشطة للتعليم، فضلاً عن الكتاتيب وقصور الخلفاء والولاة، الذين كانوا يجزلون المكافأة للعلماء القائمين على تعليم أبنائهم، كما كثرت المكتبات وحوانيت الوراقين التي كانت تتكفل ببيع الكتب وشرائها فضلاً عن نسخها وتجليدها. كما نشطت حركة الرواية والرحلة في طلب العلم وبخاصة الحديث، كما تزايدت حركة النقل والترجمة ورعاية الخلفاء لها، ومن أشهر مترجمي هذا العصر إسحاق بن حنين وحنين بن إسحاق ولده وثابت بن قرة. وكانت حركة الترجمة شاملة للعلوم والفنون والآداب.

وكان من البدهيّ أن تنشط، أيضًا حركة التأليف في مختلف العلوم والفنون والآداب، وخاصة التأليف في العلوم الإسلامية عقيدة وشريعة، إذ شهد هذا العصر أوثق مدوَّنات الحديث وأشهرها، مثل الكتب الستة، وهي صحيحا البخاري ومسلم وسنن ابن ماجة وأبي داود والترمذي والنَّسائي. كما شهد تآليف فقهية في المذاهب الأربعة، وتآليف كلامية خاصة في الاعتزال. كما ظهرت عقليات علمية فذّة لها دورها في تاريخ العلوم على مستوى العالم بأسره، ومن هؤلاء الخوارزمي في الرياضيات وواضع علم الجبر، والكِنْدي العالم الفيلسوف، والجاحظ الأديب المتكلم. وبدا واضحًا أن العقل العربي المسلم استطاع أن يستوعب ثقافات الأمم وأن يتمثلها، ثم يشارك مشاركة فعالة في الجهود الإنسانية الحضارية، فضلاً عن تميزه وابتكاره.

الشعر. وأبرز أعلامه، لهذا العصر البحتري وابن الرومي وابن المعتز، وهؤلاء أشهر شعراء هذه الحقبة، ولكن الذين لم يحظوا بشهرة كشهرتهم كثير، منهم على سبيل المثال علي بن يحيى المنجِّم وأبو بكر الصولي، وابن دريد والحسين بن الضحّاك والناشئ الأكبر والخُبز أُرْزي.


أبو بكر الصولي (رسم متخيـَّل)
ونظرة عامة إلى ساحة الشعر في هذا العصر، توضح أن حركة التجديد والتطوير قد اقتصرت على التفنن والاتساع في الأغراض التقليدية، أو تلك التي استحدثت في حقبة العصر العباسي الأول، فالمديح والهجاء والغزل والوصف اتسع الشعراء في معانيها، تحليلاً وغوصًا في المعاني. ورثاء المدن والأماكن ـ وهو من مستحدثات العصر الماضي ـ ظلَّ قائمًا إلى هذا العصر، فتناول البحتري في سينيته المشهورة إيوان كسرى، يرثيه ويصف أطلاله ويحلل لوحاته ونقوشه في تصوير دقيق رائع. ويتجه الشعراء بالوصف إلى الطبيعة، ويتوسَّعون أيّما اتساع، وخاصة في وصف الورود والأزاهير والأشجار والثمار وجداول المياه، وينتج عن توسّعهم في هذا الوصف باب جديد لفن الوصف. وأشهر الشعراء الواصفين للطبيعة: ابن المعتز وابن الرومي والصَّنَوْبري. وابن الرومي -غير مدافَع- أبرع الواصفين المصورين للطبيعة ولغير الطبيعة من المشاهد البشرية والحسية الأخرى.

النثر. ضعفت الخطابة السياسية والحفلية في هذا العصر، وقويت الخطابة الدينية على أيدي الوعاظ والقُصّاص كما كان الحال في العصر السابق. وفي هذا العصر نشأت طائفة جديدة من الوعاظ، هم المذكّرون أي المتصوفة. ومنهم على سبيل المثال: يحيى بن معاذ الرازي، وأبو حمزة الصوفي. ويؤخذ على أفراد من هذه الطائفة أنهم أدخلوا في مواعظهم ما ليس من الإسلام مثل فكرة التناسخ وفكرة الحلول. ومن هؤلاء: أبو يزيد البسطامي، والحلاّج.

أما المناظرات ـ وقد نشأت وازدهرت منذ العصر العباسي الأول ـ فقد تزايد الاهتمام بها، ولم تعد قاصرة على طائفة المتكلمين، بل تجاوزتها إلى الفقهاء واللغويين والنحاة. ومن أشهر المناظرات ما دار بين أبي علي الجبّائي المعتزلي وشيخه أبي الحسن الأشعري، وما دار بين أبي العباس بن سُريج الفقيه الشافعي وداود الظاهري، ثم محمد بن داود من بعده، وما دار بين أبي العباس المبرِّد النحوي البصري وأبي العباس ثعلب النحوي الكوفي، وما كان بين السيرافي النّحوى ومَتَّى بن يونس المترجم المتفلسف. وكل هذا كان ثمرة طبيعية لتيارات الثقافات الواسعة والمتباينة، وبخاصة الثقافة الفلسفية.

أما الرسائل الديوانية فقد ظلت على نشاطها، وأبرز كُتّابها إبراهيم بن العبّاس الصّولي كاتب المتوكل وأحمد ابن الخصيب كاتب المنتصر. انظر: الرسائل.

النقد الأدبي. حقق النقد الأدبي تقدمًا واسعًا شهده العصر مُمثلاً في كثرة النقاد وتنوع مناهجهم وشمولية النظرة للأدب. وأبرز نقاد هذا العصر ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء. انظر: الشعر والشعراء. كما شهد هذا العصر، أيضًا، نضجًا في التأليف البلاغي الذي لا يعدم صلته بالنقد الأدبي. وأبرز الأعمال البلاغية النقدية كتاب البديع لعبد الله بن المعتز مع نثار نقدي قليل ومتفرّق في كتابه طبقات الشعراء المحدثين، كما لايخلو كتاب الكامل لأبي العباس المبرد من نظرات نقدية بلاغية. انظر: الكامل في اللغة والأدب. هذا إلى ما للجاحظ من جهود رائدة في تأسيس البلاغة الممزوجة بنظرات نقدية صائبة. وبالجملة فإن القرن الثالث الهجري شهد ظهور أمهات كتب النقد الأدبي، التي غَدَت مصادر نقدية أساسية للعصور اللاحقة.


العصر العباسي الثالث. من قيام الدولة البويهية إلى سقوط بغداد، (334 - 656هـ ، 945 - 1258م). بدا واضحًا في هذا العصر أن الدول والإمارات التي انقسمت إليها الخلافة العباسية كانت، بحكم ما بينها من تنافس، سببًا في الازدهار الأدبي والحضاري، وإن كانت عامل ضعف سياسي في بناء الخلافة. وإذا كانت حركة الترجمة والاتصال بالثقافات الأجنبية قد بدأت تؤتي ثمارها في العصر السابق، فقد تأكدت نتائج هذا الاتصال بظهور مواهب فنية وعقلية فذّة، كما اتسعت فنون الأدب، شعره ونثره.

ففي مجال الشعر ظهر المتنبي والمعري والشريف الرضيّ. وفي مجال النثر ظهر أبو حيان التوحيدي وبديع الزمان الهمذاني. وفي مجال التأليف ظهر أبو الفرج الأصفهاني بموسوعته الكبرى الأغاني.انظر: الأغاني، كتاب. وبرز أبو منصور الثعالبي بمؤلفه يتيمة الدهر الذي كان مدرسة في التأريخ الأدبي احتذاها كثير من المشارقة والمغاربة، هذا إلى كتب أبي علي التنوخي مثل نشوار المحاضرة، والفرج بعد الشِّدّة.

اتسعت حركة التأليف اللغوي، فشهد هذا العصر لونًا جديدًا من البحث اللغوي تمثل في كتاب الخصائص لابن جِنِّي، وظهور أنماط شتى من المعاجم اللغوية. كما تمثل في حركة التأليف في التاريخ الإسلامي والجغرافيا والعلوم الإسلامية، والفلسفة والعلوم البحتة والتطبيقية، إلى غير ذلك من العلوم. ويعكس هذا النشاط التأليفي هضم العقل العربي للثقافات هضمًا جعله قادرًا على الابتكار والإسهام في الحضارة الإنسانية بجهد متميز.


أبو العلاء المعري (رسم متخيـَّل)
أما الفنون الأدبية، فأبرزها ما اصطُلح حديثًا على تسميته بالأدب الشعبي، مثل ألف ليلة وليلة ذات التأثير الواسع والعميق في الآداب العالمية، وسيرة عنترة، ثم هذا النوع من القصص الابتكاري، ومن أبرز نماذجه رسالة الغفران لأبي العلاء المعري. انظر: رسالة الغفران. كما ظهرت في مجال الشعر فنون شعبية مستحدثة، منها الموشح والزجل والمواليا. وهكذا، فإن الصورة العامة لهذا العصر أدبًا وعلمًا، تدل على ازدهار متميز حقق به الإبداع العربي نبوغه ومقدرته الفذة على الابتكار.

ولم يعد الابتكار الفني والعقلي قاصرًا على بيئة دون أخرى،بل اتسعت رقعة هذا الابتكار ليشمل شتى الحواضر العربية، ثم يتجاوزها إلى ديار الأعاجم الذين شاركوا ـ بعمق ـ في حركة الابتكار الفني والعقلي.


أبو فراس الحمداني (رسم متخيـَّل)
الشعر اصطبغ بصبغ فكري جعله قادرًا على تجسيد قضايا الإنسان والكون والحياة، دون أن يفقد نبضه الوجداني ومقدرته الفذة على التخييل والتصوير، وقد ظهر أبو الطيب المتنبي نموذجًا للشاعر الذي تمثل في عمق شتَّى الثقافات، مع موهبة فنية نادرة النظير وثروة لغوية وارتكاز على التراث الأصيل، وهو يعبّر عن هموم عصره من خلال ذاته وفكره. انظر: المتنبي. وإذا كان المتـنبي والمعري يمثلان النموذج المتفرد في التعبير الإنساني، فقد كان من الطبيعي أن يظهر إلى جوارهما عشرات الشعراء، ممن كانوا دونهما نبوغًا وعبقرية، لكنهم، على كل حال، كانوا يمثلون اتجاهات شعرية متباينة ومستويات شعرية مختلفة. ومن هؤلاء الشعراء: أبو فراس الحمداني، وكشاجم والوأواء الدِّمشقي والشريف الرضِي ومهيار الدَّيـْلمي وابن نباتة السَّعْدي. ويزخر كتاب يتيمة الدهر للثعالبي بجمهور كبير من هؤلاء الشعراء الذين ظهروا في بيئات عربية وأعجمية مختلفة. وإذا كان الأندلس يفاخر المشرق بفن الموشح، فإن المشرق، في محاولة للتميز، حاول أن يتفرد بدراسة هذا الفن المستحدث واستخلاص قواعده وأوزانه، فظهر ابن سناء الملك بكتابه دار الطراز في عمل الموشحات. ولئن عجز ابن سناء الملك عن استخلاص أعاريض الموشح وحصر أوزانه في كتابه المتقدم فإنه وفق إلى استخلاص سائر قواعده من خلال منهج سديد جمع بين النظرية والتطبيق.

ونطالع في مرحلة متأخرة من هذا العصر أسماء شعراء مثل البهاء زهير وابن مطروح، وهما من أصدق الشعراء تمثيلاً لروح العصر، إذ اتسمت أشعارهما بالرّقة والعفوية، فضلاً عن تلك اللغة السهلة التي تقترب كثيرًا من لغة الحياة الدارجة، إلى ما لدى البهاء زهير من نزوع إلى الغزل الذي، وإن لم يعبر عن معاناة حقيقية، يعكس روح الدعابة وخفة الظل لديه.

كما نطالع شعر التصوف لعمر بن الفارض ولغيره من الشعراء، إذ كان الشعر الصوفي صدىً لتيار التصوف في هذا العصر.

وإذا كان الغزو الصليبي يشكل لهذا العصر أعمق الأحداث أثرًا في حياة الناس، خاصة في ديار الشام ومصر، فمن البدهي أن يترك هذا الغزو تأثيره على الشعر، إذ راح الشعراء يعبرون عن أحزانهم بهزيمة أو أفراحهم بنصر، مع رثاء المدن أو مدح السلاطين من بني أيوب. ولكن ينبغي الاعتراف بأن الشعر العربي، لهذه الحقبة، كان من الضعف بحيث لا نجد شاعرًا فحلاً في مستوى أبي تمام والمتنبي، وهما يعبران في قصائدهما الحماسية عن حركة النـضال ضد الروم.

النثر. أبرز أشكال النثر في هذا العصر الفن القصصي، وقد حقق تقدمًا ملحوظًا، فلم يعد مجرد حكايات تراثية يرويها الأديب، ويُحدث فيها بعض التعديل، بل ظهر القصص الابتكاري. وتُعدّ مقامات بديع الزمان الهمذاني وتلميذه الحريري أوضح نماذج القصص الابتكاري الواقعي، ممزوجًا بصبغ تعليمي يتمثل فيما حوته المقامات من ألفاظ اللغة والألغاز والثروة البلاغية والنقدية. انظر: المقامات. وإذا كان أدباء المتصوفة شاركوا في هذا العصر بأشعارهم، فقد شاركوا أيضًا بكتاباتهم التي تمثلت في تلك الابتهالات التي نجدها لدى أمثال أبي الحسن الشاذلي وتلميذه ابن عطاء الله السكندري.

وإلى جانب القصص الشعبي عرف هذا العصر النثر الفكاهي الذي دار حول النقد الاجتماعي للعادات والتقاليد والنقد السياسي لممارسات بعض الحكام. وكتاب الفاشوش في حكم قراقوش نموذج لهذا اللون من القصص الفكاهي، الساخر من قراقوش قائد صلاح الدين الأيوبي ونائبه بمصر إبان الحروب الصليبية. فقد كان الرجل جادًا ملتزمًا في عمله إلى حد القسوة أحيانًا، مما جعل ابن ممّاتي يحمل عليه ويصوّره، في هذا الكتاب، بصورة ساخرة مبالغ فيها.

النقد الأدبي. ازدهر النقد الأدبي ازدهارًا كبيرًا في هذا العصر منتفعًا بما سبق من جهود النقاد. وأهم النقاد في هذا العصر أبو هلال العسكري والقاضي الجرجاني والآمدي، وابن رشيق القيرواني وابن الأثير.

وإذا كان أبو هلال العسكري يمثل الاتجاه النظري في النقد، متأثرًا بشيخه قدامة بن جعفر، فإن القاضي الجرجاني في الوساطة، والآمدي في الموازنة، يمثلان الاتجاه التطبيقي في النقد الأدبي.

أما كتاب العمدة لابن رشيق القيرواني، فيعد أشمل مؤلف في دراسة الشعر، إذ لا يقتصر على النقد بل يتجاوزه إلى البلاغة وبعض الثقافات التراثية التي تُعدّ، بحق، مفتاحًا لدراسة الشعر العربي القديم، وبخاصة الجاهلي.

كما أن كتاب المثل السائر في أدب الشاعر والناثر لضياء الدين بن الأثير يُعدُّ نموذجًا للنقد الأدبي الذي يجمع بين الشعر والنثر.


من سقوط بغـداد (656هـ) إلى مطالع العصرالحديث
وهو ما عرف في تاريخ الأدب بعصر الانحطاط، وهي تسمية جائرة. فقد واجهت الأمة الإسلامية في هذا العصر موجات ثلاثًا من الغزو: موجة الغزو الصليبي، وموجة الغزو المغولي الأولى بقيادة هولاكو، التي أسقطت بغداد، ثم بدأت تعد العدة لغزو مصر والشام لولا هزيمتها في عين جالوت، والموجة الثالثة هي موجة الغزو المغولي الثانية، وقائدها تيمورلنْك من سلالة جنكيزخان، الذي مضى يخرّب غالب مدن العراق، كما خرّب حلب وأحرق دمشق. وقد كان لهذه الموجات الثلاث صداها البعيد في الأدب شعره ونثره.

ظل للماليك في مصر دولة حاكمة من سنة 648هـ ، 1250م إلى الفتح العثماني عام 922هـ، 1516م. وكان للماليك جولات عظيمة في الجهاد، كما لقُطز والظاهر بيبرس في معركة عين جالوت، فضلاً عن بطولات الظاهر بيبرس في حرب الصليبيين، وكذا بطولات خلفائه من بعده، كما شهد العصر المملوكي ازدهارًا في إنشاء المدارس وتأليف الموسوعات وازدهارًا في العلوم والفن المعماري، بينما ضعف الأدب شعرًا ونثرًا.

ثم كانت الخلافة العثمانية منذ عام 922هـ ، 1516م وزوال دولة المماليك بمصر إلى العصر الحديث، مع نهاية القرن الثاني عشر ومطالع القرن الثالث عشر الهجري، وانبثاق النهضة الفكرية والأدبية في العالم العربي على تفاوت ـ في ذلك ـ بين أقطاره المختلفة. أما الأدب خلال تلك الحقبة فكان من أبرز معالمه ظهور تيارين: الأول، تيار الأدب الديني والثاني، تيار الأدب الشعبي.

أما في تيار الأدب الديني، فقد ازدهرت المدائح النبوية، موصولةً بجذورها في صدر الإسلام. ومع تيار المدائح النبوية يظهر أيضًا تيار الشعر الصوفي المتدثر بالتصوف الفلسفي على طريقة ابن عربي وابن الفارض، وممن يمثل هذا التيار عبد الغني النابلسي (ت1143هـ).

وفي النثر تطالعنا حكم ابن عطاء الله السكندري (ت709 هـ) متأثرةً هي الأخرى بالتصوف، كما تطالعنا كتب ابن تيمية ورسائله، وكتب تلميذه ابن قيم الجوزية، وهي تمثل التيار السَّلفي للأدب الإسلامي في هذا العصر. وكان من البدهي أن يعكس كل من الأدبين، الصوفي والسلفي، حركة الصراع بين هذين الاتجاهين.

أما في تيار الأدب الشعبي فقد انتشرت أشكال شعبية كالزجل الذي اتخذ من الدارجة لغةً له. ويبدو أن انشغال المشارقة بفن الزجل وتشقيقهم منه أشكالاً متعددة التلاوين، كل ذلك قد لفت انتباه ابن سعيد المغربي الأندلسي في رحلته إلى المشرق، فراح يسجل ألوانًا منه في كتابه المُشْرق في حُليِّ أَهْل المَشْرق. وتستوقفنا في هذا العصر شخصية ابن سودون الذي عدّه الباحثون أهم شخصية شعبية في القرن التاسع الهجري، وله كتاب بعنوان نزهة النفوس ومضحك العبوس، جعله في خمسة أبواب، الباب الأول في القصائد والتصاديق، أي المقدمات، وهي قصائد بالفصحى لم تخْلُ من اللفظ العامي يسوقه للفكاهة، والباب الثاني، في الحكايات البيداء الملافيق، والثالث في الموشحات الهبالية، كتبها بالعامية، والرابع في الزجل والمواليا، والخامس في الطُرف العجيبة والتحف الغريبة. واللافت للنظر أن الشعر الفصيح نفسه عند ابن سودون مثير للضحك بمعانيه وصوره، وببعض ما تخللت لغته الفصيحة من تعابير عامية.

أما النثر فلعله فاق الشعر أو ساواه في طابعه الشعبي، فما زالت سيرة عنترة شائعة سيارة بين الطبقات الشعبية في أسمارهم ومحافلهم. انظر: السيرة الشعبية.

ومن صور النثر الشعبي في هذه الحقبة كتاب عنوانه: هزّ القحوف في شرح قصيدة أبي شادوف لمؤلفه يوسف الشربيني، وهو لون من النثر الشعبي الساخر يتناول واقع الريف المصري في هذه الحقبة بما تخلله من جهلٍ وفقر.

وبينما يكون نثر السيرة الشعبية بطوليًا خياليًا،كان هز القحوف وأمثاله فكاهيًا واقعيًا.

تناولت هذه العجالة أبرز تيارين أدبيين في الشعر والنثر، ولكن ذلك لا يعني اقتصار الأدب عليهما، فإلى جانب تياري الشعر الديني والشعبي، عرف الأدب سائر الأغراض التقليدية للشعر، وبخاصة شعر الحماسة، الذي عبّر عن وجدان الإنسان العربي ومشاعره تجاه الأحداث الجسام ممثلة في تيارات الحروب الصليبية والغزو المغولي. ولكن الشعر العربي لم يستطع، لضعفه، أن ينهض بعبء التعبير عن هذه الأحداث، كما أن النثر التقليدي ظل موجودًا إلى جانب النثر الشعبي، إذ ظلت الخطابة والمقامة والرسالة قائمة في هذا العصر في لغة مسجوعة مصنوعة.

ولكن ينبغي أن نشير هنا ـ ونحن بصدد الحديث عن النثر، إلى حقيقتين مهمتين: الأولى: ازدهار فَنَّيْ السيرة الذاتية والرحلة. انظر: السيرة؛ الرحلات، أدب. والثانية: أن كتب التاريخ والجغرافيا لم تخْل مواضع منها من النثر الإبداعي الوصفي الذي ينبض بالتجربة وقوة التأثير وجمال الصياغة، مما يدخلها في صميم النثر الإبداعي. وتُعدّ هذه المواضع مع ما ذكرناه من كتب السيرة الذاتية والرحلة، نقاط ضوءٍ ساطع في نثر هذا العصر الذي خَيَّمت عليه الصنعة والضعف.

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك




uw,v hgh]fd hguvfd





رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الادبي, العربي, عصور


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
التطهير الادبي والفني .. آجمل انسآنہ أطلال اللغة والأدب العربي . 1 02-22-2013 08:56 PM
عصور ماقبل الاسلام أذكاري منبع حياتي أطلال عصور ما قبل الإسلام وتاريخ الحضارات . 4 02-14-2013 11:27 AM
ديبلوكولس Diplocaulus - حيوانات عصور ماقبل الديناصورات خولة أطلال عصور ما قبل الإسلام وتاريخ الحضارات . 0 01-18-2013 12:06 AM
أدوات التعذيب والقتل في أوروبا في عصور الظلام سهارى أطلال تاريخ أوروبا 0 01-04-2013 03:53 PM
ْصور تراحيب وعبارات بالأعضاء الجددْْ عشقي وطني مرافئ الوصول . 3 12-07-2010 06:53 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية
Add Ur Link
منتديات همس الأطلال دليل مواقع شبكة ومنتديات همس الأطلال مركز تحميل همس الأطلال . إسلاميات
ألعاب همس الأطلال ضع إعلانك هنا . ضع إعلانك هنا . ضع إعلانك هنا .

flagcounter


الساعة الآن 05:20 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
.:: تركيب وتطوير مؤسسة نظام العرب المحدودة ::.
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع الحقوق محفوظة لـشبكة ومنتديات همس الأطلال