أطلال الحكاية ( يحكى أن. ) خاص القــــصص والــــــروايات والأساطيــــر |
الإهداءات |
#1
| |||||||
| |||||||
جدتي والطائر قصة بقلم : مجدي جعفر جدتي والطائر بقلم : مجدي محمود جعفر في البراح الواسع أمام الدار ، تجلس الجدة ، فاردة ساقيها لشمس الصباح وبجوارها راديو العائلة العتيق ، لا يتحول مؤشره عن إذاعة القرآن الكريم ، ومسبحة في يدها لا تمل من فر حباتها ومصحف متآكل غلافه ، مفتوح أمامها لا تقلب صفحاته أبداً ، وكتاكيت صغيرة تتقافز حولها ، ودجاجات تنقر في الأرض ، ونساء عجائز تأتين ، واحدة تلو أخرى ، يتحلقن حول الجدة ويثرثرن ؛ تنشغل عنهن بالنظر إلى النخلة العالية ، ولحفيدها طالع النخلة. " تزر " عينيها ، وتسلط بقايا الشوف فيهما عليه ، وهو يتسلق بخفة قرد ، ورشاقة أرنب ". تُسمي الله وهى ترى العجائز "يبربشن " بأعينهن ، التي تساقطت أهدابها وتستعيذ برب الناس ، من عيونهن الضيقة – التي خبا ضوؤها ، ومن الوسواس الخناس ، الذى يوسوس في صدورهن. .. ينتقى الولد – بلحات – وينزل بخفة ويجرى في اتجاه الجدة ، يدس في يديها البلح ، تقلبه في يديها وتقرب بلحة من عينيها ، تتشممها بأنفها تمتعض وهى تذوقها بطرف لسانها ، وتجرب أخرى ، وثالثة .. البلح كله يابس وعطن ، تتنهد ، وتتمتم بكلمات غير مفهومة ، وتتحسر على أيام الجد. مساحة الظل بجوار الحائط تنكمش ، تسند الجدة جذعها للجدار ، وتسحب ساقيها ، تنظر لشمس الضحى العالية ، والعجائز حولها ، يثرثرن ، ويشكين عقوق الأبناء ، وإهمال زوجاتهم لهن .. تنشغل عنهن بالنظر إلى النخلة العالية ، الولد الصغير "يخمش" بأسنانه البلح "الصيص" ويبكى : - أنا جوعان !! يمصمص العجائز شفاههن ، ويلوين بوزهن ، وتتلاقى عيونهن في استنكار ، تسترق السمع ، تُمنى نفسها بأن تسمع وقع أقدام أولادها وزوجاتهم في الدار. - صرير باب حجرته في الفجر – كان يجعلهم ينتفضون في مضاجعهم ، وكركرة ماء وضوءه ، ودقات عصاته على الأرض. فور أن ينزل عن سريره ، ويضع قدميه فى " الشبشب " تدب الحياة في الدار ، الفطور كان في البكور ، والشمس كانت تطلع في دارنا مع الفجر ، كان الخير في كل بقعة في الدار ، اللبن " يتسرسب " من ضرع البقرة في الزريبة يملأ الدلو الكبير ، والبيض من تحت الدجاج يملاً " السبت الخوص " ، أسراب الأوز والبط والدجاج. يطرق الولد بيده على صدره : - أنا جوعان يا جدتي !! تهدهده الجدة ، وتقول في نفسها : - كانت الواحدة منهن تفز من فراشها مع أول طرقة على الباب ! ولكن .. يوم أن غاب ، غابت الشمس ، ما عادت تطلع مع الفجر من دارنا ، وما عاد الفطور في البكور .. كل شيء ينحسر ، وينسحب ببطء، الأرض تنكمش وتضيع قيراطاً وراء قيراط ، قسموا عرق الرجل وتعبه – وباعوه بأبخس الأثمان ، تحول عرق السنين إلى قمصان نوم للنسوان ، وعطر ، وأساور " تشخلل " في أياديهن ، كل امرأة في حجرتها ثلاجة ، وتلفزيون ، وغسالة ، ومكنسة. خلت الزريبة ، وخلت الصوامع ، وركب الغرباء الأرض. يصرخ الولد : - أنا جوعان .. جوعان يا جدتي تتسلل العجائز واحدة تلو أخرى ، وتقرأ الجدة في عيونهن – التي تشبه مؤخرات الحمائم ، الشماتة ، الشمس توسطت السماء ، وانحسر الظل عن الجدار ، تنهض الجدة ، متكئة على كتف الولد ، وتسير به إلى الدار والصمت يحط إلا من صوت بومة لعينة تنعق في الزريبة وغراب أسود ، احتل عش الحمام ، يسيل من منقاره ، مح البيض وزلاله ، ينقبض قلب الجدة. طائر غريب يحوم ، تتوقف ، تنظر للطائر ، يحلق في صحن الدار حول المصباح المطفأ المتدلي من السقف ، ووضع الذباب عليه البيض فامتلأ عن آخره ، بل واستراح الذباب على الحبل الذى يحمل المصباح – وعلى المروحة المثبتة على الجدار ، ينتظر الفقس ، الطائر صغير في حجم عقلة الإصبع ، استغفرت الجدة ، واستعاذت ، ومضت إلى غرفتها دست يدها ببطء فى " السيالة " أخرجت بصعوبة مفتاحاً كبيراً ، والصبي يرقص قلبه فرحاً وعيناه تبصان ليد الجدة وهى تدخل المفتاح في " كالون " الدولاب بالحائط ، ومُمنياً نفسه ، بقطعة حلوى ، أو بيضة مسلوقة ، وقطعة خبز ، قبل أن تدير المفتاح أحست بضلفة الدولاب " تزيق " ، شدت الضلفة برفق ، أحست بانعدام المقاومة ، وكانت حركة الضلفة النصف دائرية وسرعتها أقوى من قوة شد الجدة .. تفزع الجدة ، ويقع قلبها في رجليها ، فالدولاب خال – لا علب الحلوى ، ولا المربى ولا أقماع سكر النبات ، ولا أرغفة الخبز الطرية ، وبضع مئات من الجنيهات – هي كل ما تملك – بعض حقها في الميراث – الذى أخذته بصعوبة وباقي ميراثها توزع على الأولاد في حياتها غصباً . حتى الكفن الذى اشترته منذ زمن بعيد ، واحتفظت به في الدولاب ، مطوي نظيف معطر ، اختفى !! تضيق ما بين حاجبيها فتنتفخ كرمشات الجلد كبالونات صغيرة ، ويتلاحم خطا الحاجبين بشعرهما الأبيض المتناثر. يجرى الصبي إلى حجرة أبيه ، يطرق الباب بعنف ، يصرخ : - جدتي ، جدتي سُرقت ، الحقوا جدتي ؟! تتثاءب أمه ، ويأتيه صوتها وهى تتقلب على السرير ، تعنفه وتنهره ، يجرى إلى غرفة عمه ، تزجره زوجة عمه ، بوجه أصفر ، يرمح إلى جدته ، يحوطها بذراعية الصغيرين وقلبه يدق بعنف ، تفترش الجدة الأرض ، والعرق يرشح من مسام جسمها التي اتسعت على الجلد ، فالمسام صارت كثقوب إبر الخياطة ، يمسح الولد بكم جلبابه حبات العرق التي تجمعت في ثنيات الجلد على الجبهة ، وأسفل العينين ، وعلى الخدين ، سيول من ماء العين ومن عرق الجسم المالح ، تتجمع في قنوات حفرها الزمن على الوجه وأسفل الرقبة ، يعلو صدرها ويهبط وتفتح فمها الخالي من الأسنان مع طاقتيّ أنفها لإدخال الهواء ، يبكى الولد ، جدتي ، جدتي ، بصعوبة – تمتد يدها المعروقة – تتخلل شعره ، يشعر بارتعاشة يدها ، وبعروقها النافرة ، وفيما يعدو فأر على سقف الغرفة ، ترى من فتحة الباب الموارب ، الطائر الغريب ، يحوم حول المصباح ، ومع كل دائرة يكبر ويكبر ، وقد صار بحجم الفأر ، الذى يعدو ، ويقرض في " غاب " السقف. يبحلق الولد في عيني الجدة المفتوحين ، يمرر يده أمام عينيها ، لا يرمشان ، يبكى ، جدتي – هل ترينني ؟! .. تحاول الجدة أن تزدرد ريقها ، لكن الريق قد جف ، فتبتلع الهواء " فتزأط ". ويشعر الولد بأن عينيها قد انفلتتا من محجريهما ، فيجرى إلى "القلة" ويكب الماء على وجهها وعلى شفتيها ، تخرج لسانها برأس رفيع أبيض جاف يلتقط قطرات ماء ، ترطب الحلق الجاف .. وبينما تُدخل قطة سوداء رأسها من النافذة ، تروح عيناها للطائر الغريب الذى يكبر .. ويكبر ويصير بحجم القطة. يصب الولد الماء على يديه ، وينثره على رأسها ، ويدلك بيده المبللة بالماء فروة رأسها ، يشعر بسخونة رأسها ، فيبكي. عيناها تدوران في الغرفة ، يقعان على عصا الجد المثبتة على الجدار وجلبابه الصوفي ، وطاقيته والشال ، ويبدو في الصورة المتربة بشاربه المفتول وعينيه الباسمتين ، تبتسم ، فيطرب الولد لابتسامتها – صارت له فترة يأتيني في المنام ، شهراً ، أو يزيد ، لم يخلف موعداً ولم يتخل أبداً عن ابتسامته ، وضحكته الحلوة ، يأتيني أجمل مما كان عليه يوم العرس ، شاباً عفياً ، عليه ثوب أخضر ، يفتح لي ذراعية ، باتساع المدى. يهز الصبي الجدة ، التي تعلقت عيناها بصورة الجد ، وتلاقت ابتسامتهما ، جدتي ، جدتي ، يفزعه صمتها ، ويعكر صفوه نباح الكلب المتواصل خارج الدار ، يشب على قدميه ، ويمد ذراعه ، وبأطراف أنامله : يزحزح عصا الجد ، ويقبض عليها ، ويهم خارجاً للكلب ، تستوقفه الجدة بنظرة عين وإشارة إصبع ، يضع العصا بجوارها ، ويخرج باحثاً عن حجر ، وفيما كان الكلب رافعاً ساقيه الخلفيتين ويبول على الجدار ، كان الحجر مُسدداً إلى رأسه ، ليقفز إلى النافذة ، رافعاً عقيرته بالنباح والعويل ، وكلما صوب إليه الصبي حجراً ، علا النباح والعويل .. الطائر يحوم ، ويحوم ، ويكبر ، ويكبر ، ويصير بحجم الكلب الذى يعوي خارج الدار. تتحسس الجدة عصا الجد ، وتبتسم ، تشير إلى الجلباب ، والطاقية ، والشال ، يهرع الصبي ، يأتيها بها ، تتحسسها ، تتشممها ، تغمض عينيها ، تنسال الدموع ، تبتسم ، تحاول أن تنزع جلبابها ، يعاونها الصبي ، تحشر جسمها في جلبابه الصوفي " الكشمير " وتلم شعرها الأبيض وتحبك الطاقية ، تثني الشال ، وتبسطه ، وتطويه ، وتلفه حول رأسها ، وبينما الحمار " يتمرغ " في الفضاء خارج الدار وينهق كان الطائر يكبر ويكبر ، ويصير بحجم الحمار الذي يفزع نهيقه الصبي ، تتحسس العصا ، تقبض عليها ، يد على الجدار ، ويد على العصا ، تنهض ، وتخطو خطوات ، يفرح الصبي بجدته ، ويضحك ، يلف حولها ويصفق بيديه ، يصفر ، يدور حول نفسه ، ويرقص ، سارت إلى حجرة ابنها الكبير المغلقة ، وطرقت الباب بالعصا بعنف ، وجلاً فتح الباب بلباس النوم ، ليندهش .. أمي !! .. أزاحته ، ودفعت الباب ، لتباغت بالكفن ، نصفه ستارة على الشباك ونصفه الآخر ملاءة على السرير تتمدد عليه زوجة الابن ، انكمشت في الركن القصي على السرير بجوار الحائط ورفعت ركبتيها إلى ذقنها وشدت القميص على قدر ما تستطيع لتستر ما يمكن ستره ، وبينما تسير إلى السرير انكمشت الزوجة ، تحسست الجدة الملاءة / الكفن ، رائحة العرق وأثار الحب والليل ، نظرت إلى المرأة المنكمشة والمنكوشة الشعر والنصف عارية ، أغمضت الجدة عينيها ، استجمعت لعابها ، وفى لحظة بصقت عليها ، مرة ، ومرتين ، واستدارت إلى ابنها الواقف بلباس النوم مأخوذاً ومذهولاً ، وفجأة – ترفع العصا ، وتهوي بها على أم رأسه ، ليصرخ ، صرخة مدوية ، فيفزع أخوه وزوجته في الحجرة المجاورة ، ويجريان إلى مصدر الصوت ، فتعقد الدهشة لسانهما وتسير الجدة بثقة ، وتخطو بثبات ، وبينما زوجة الكبير تمسح بصاق الجدة وتقول لزوجة الصغير : - كبرت وعلقها خرب .. كانت الجدة ، ترى الطائر الغريب ، يحوم حول المصباح ، وأصبح بحجم الفيل ، وجلست الجدة ، تنظر للطائر الذي يكبر ويكبر وينبت له جناحان ، وفيما كانت الجدة مشدودة إلى الطائر كان الصبي يضع في حجرها علب المربى والحلاوة وأكياس السكر النبات !! ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك المصدر: شبكة ومنتديات همس الأطلال شبكة ومنتديات همس الأطلال Network Forum whispered ruins - من قسم: أطلال الحكاية ( يحكى أن. ) []jd ,hg'hzv rwm frgl : l[]d [utv |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
~*^*~(( اكتب بقلم حبر ولا تكتب بقلم رصاص ))~*^*~ | هموسه | فضاءات وآفاق بلا حدود . | 4 | 06-05-2011 06:01 PM |
جدتي تقول خاطر البنات لا تجرحونه .. | نيروز | أطلال وحديث الصورة . | 11 | 02-23-2011 08:35 PM |
في أحدى الليالي ... | أبو ذكرى | أطلال التسلية والفكاهة والابتسامة . | 1 | 02-03-2011 01:52 PM |
رسم الخيال ( بقلم مطلع الشمس ) | مطلع الشمس | أطلال أقلام وإبداعات الأعضاء ، عصارة فكر وبراعة قلم ( يمنع المنقول ) . | 8 | 09-01-2010 07:33 PM |
أم دغش قصة بقلم : مجدي جعفر | مجدي محمود جعفر | أطلال الحكاية ( يحكى أن. ) | 2 | 08-30-2010 05:05 AM |
Add Ur Link | |||
منتديات همس الأطلال | دليل مواقع شبكة ومنتديات همس الأطلال | مركز تحميل همس الأطلال . | إسلاميات |
ألعاب همس الأطلال | ضع إعلانك هنا . | ضع إعلانك هنا . | ضع إعلانك هنا . |