الآداب مع الكتاب   الآداب مع الكتاب
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم 
 إن أعلى مقامات الأدب : الأدب مع الله تبارك وتعالى ، ومِن الأدب مع الله تعالى : الأدَب مع كِتابه تعالى وتقدَّس . 
ذلك أن القرآن هو كلام الله ، مِنه بَدأ ، وإليه يَعود . 
وهو أعْظَم ما في الوجود . 
 
وكثير مِن الناس يتعاملون مع القرآن مُعاملة جافة ، ملؤها الجفاء .. زيادة على هَجْر القرآن .
 
 ومِن الأدب مع القرآن :
 1 - أن لا يُهْجَر ، وذلك بِقراءته آناء الليل وأطراف النهار ، والعَمل به ، وتَحكيمه في دُنيا الناس أفرادا وجماعات . 
قال ابن القيم :
هَجْر القرآن أنواع :
أحدها : هَجْر سَمَاعه والإيمان به والإصْغَاء إليه .
والثاني : هَجْر العَمل به والوقوف عند حلاله وحرامه ، وإن قرأه وآمن به .
والثالث : هَجْر تَحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدِّين وفُروعه .
والرابع : هَجْر تَدَبّره وتَفَهّمه ومَعْرفة ما أراد الْمُتَكَلِّم بِه منه .
والخامس : هَجْر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها ، فيطلب شِفاء دائه مِن غيره ويَهْجُر التداوي به .
وإن كان بعض الهجر أهْون مِن بعض . اهـ .
 
وقال النووي : ينبغي أن يُحَافِظ على تلاوته ويُكْثِر منها ، وكان السلف  رضي الله عنهم لهم عادات مختلفة في قَدْر ما يختمون فيه ؛ فَرَوى ابن أبي  داود عن بعض السلف رضي الله عنهم أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة  ، وعن بعضهم في كل شهر ختمة ، وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة ، وعن بعضهم  في كل ثمان ليال ، وعن الأكثرين في كل سبع ليال ، وعن بعضهم في كل ستّ ،  وعن بعضهم في كل خمس ، وعن بعضهم في كل أربع ، وعن كثيرين في كل ثلاث .
وقال : والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص ؛ فمن كان يَظهر له بدقيق  الفِكر لطائف ومَعَارِف فليقتصر على قَدْر ما يَحصل له كمال فَهم ما يقرؤه ،  وكذا مَن كان مشغولا بِنَشْر العِلْم أو غيره مِن مُهمات الدِّين ومصالح  المسلمين العامة فليقتصر على قَدْرٍ لا يَحصل بِسببه إخلال بِمَا هو  مُرْصَد له ، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمْكَنه مِن غير  خُروج إلى حدّ المَلَل والْهَذْرَمَة . وقد كَـرِه جماعة من المتقدمين  الْخَتْم في يوم وليلة . اهـ .
 
 2 – تَعَاهُد الفَم بالسِّوَاك عند قراءة القرآن ،  لقوله عليه الصلاة والسلام : طَهِّرُوا أفْوَاهَكم للقرآن . رواه البزار ،  وقال الهيثمي : رجاله ثقات ، ورواه ابن المبارك في الزهد . والحديث أورده  الألباني في الصحيحة . 
قال البيهقي في تعظيم القرآن : تَنْظِيفُ الْفَمِ لأَجْلِ الْقِرآن  بِالسِّوَاكِ وَالْمَضْمَضَةِ ، وَمِنْهَا تَحْسِينُ اللِّبَاسِ عِنْدَ  الْقِرَاءَةِ ، وَالتَّطَيُّبُ . اهـ .
 
وكان الإمام مالك يَتَطَيَّب ويتجمّل عند التحديث بِحديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فالقرآن مِن باب أولى . 
 
 3 - أن لا تُقْطَع القراءة ، ولا يَتَشَاغَل القارئ بِغير التلاوة . 
 ومِن هَدي السَّلَف عدم قَطْع قِراءة القرآن . 
روى البخاري مِن طَريق نَافِعٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ  عَنْهُمَا إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ  مِنْهُ ، فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ حَتَّى  انْتَهَى إِلَى مَكَانٍ ، قَالَ : تَدْرِي فِيمَ أُنْزِلَتْ ؟ قُلْتُ : لا  . قَالَ : أُنْزِلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ مَضَى .
 
وفي غَزوة ذات الرِّقَاع قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : من رجل  يكلؤنا ؟ فانتدب رجل مِن المهاجرين ورجل من الأنصار ، فقال : كُونا بِفَمِ  الشِّعب . قال : فلما خَرَج الرَّجُلان إلى فَمِ الشعب اضطجع المهاجري ،  وقام الأنصاري يُصَلِّي ، وأتى الرجل فلما رأى شخصه عَرف أنه رَبيئة للقَوم  ، فَرَمَاه بِسَهم ، فَوَضَعه فيه ، فَنَزَعه ، حتى رماه بثلاثة أسهم ، ثم  ركع وسجد ، ثم انتبه صاحبه ، فلما عَرف أنهم قد نَذَرُوا به هَرَب ،  وَلَمَّا رَأى المهاجري ما بالأنصاري من الدمّ قال : سبحان الله ألا  أنبهتني أوّل مَا رَمى ؟ قال : كنت في سورة أقرأها فلم أحبّ أن أقطعها .  رواه الإمام أحمد وأبو داود . وحسّنه الألباني والأرنؤوط . 
وفي رواية لأحمد : فَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالأَنْصَارِيِّ  مِنَ الدِّمَاءِ ، قَالَ : سُبْحَانَ اللهِ ، أَلاَ أَهْبَبْتَنِي ؟ قَالَ :  كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا ، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا حَتَّى  أُنْفِذَهَا ، فَلَمَّا تَابَعَ الرَّمْيَ رَكَعْتُ فَأُرِيتُكَ ، وَأيْمُ  اللهِ ، لَوْلاَ أَنْ أُضَيِّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى  اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِهِ ، لَقَطَعَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ  أَقْطَعَهَا أَوْ أُنْفِذَهَا .
 
قال البيهقي في " شُعب الإيمان " : فَصْلٌ فِي كَرَاهِيَةِ قَطْعِ  الْقُرْآنِ بِمُكَالَمَةِ النَّاسِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا انْتَهَى فِي  الْقِرَاءَةِ إِلَى آيَةٍ ، وَحَضَرَ كَلَامٌ فَقَدِ اسْتَقبَلَتْهُ  الآيَةُ الَّتِي بَلَغَهَا وَالْكَلامُ فَلا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْثِرَ  كَلامَهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ . اهـ .
 
وقال النووي : ومما يُعْتَنَى به ويَتأكد الأمْر بِه : احترام القرآن مِن  أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين مُجْتَمِعين ؛ فمن ذلك : اجتناب  الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة إلاَّ كلاما يُضْطَر إليه ، وليمتثل  قول الله تعالى : (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ  وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ... ومن ذلك العبث باليد وغيرها ،  فإنه يناجي ربه سبحانه وتعالى ، فلا يَعبث بِيديه ، ومِن ذلك النظر إلى ما  يُلْهِي ويُبَدِّد الذِّهْن . اهـ .
 
 4 - احترام أهْل القرآن 
 نَقَل البيهقي عن  الْحَلِيمي قوله : تَعْظِيمُ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَتَوْقِيرُهُمْ كتَعْظِيمِ  الْعُلَمَاءِ بِالأَحْكَامِ وَأَكْثَرُ . اهـ .
 
 5 – آداب متفرقة 
 قال البيهقي في  تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ  اللهُ : " ذَلِكَ يَنْقَسِمُ إِلَى وُجُوهٍ مِنْهَا : تَعَلُّمُهُ .
وَمِنْهَا : إِدْمَانُ تِلاوَتِهِ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ . 
وَمِنْهَا : إِحْضَارُ الْقَلْبِ إِيَّاهُ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ ،  وَالتَّفَكُّرُ فِيهِ وَتَكْرِيرُ آيَاتِهِ وَتَرْدِيدُهَا ،  وَاسْتِشْعَارُ مَا يُهَيِّجُ الْبُكَاءَ مِنْ مَوَاعِظِ اللهِ وَوَعِيدِهِ  فِيهَا .
وَمِنْهَا : افْتِتَاحُ الْقِرَاءَةِ بِالاسْتِعَاذَةِ ...
وَمِنْهَا : أَنْ لا يَقْطَعَ السُّورَةَ لِمُكَالَمَةِ النَّاسِ ، وَيُقْبِلَ عَلَى قِرَاءَتِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا . 
وَمِنْهَا : أَنْ يُحَسِّنَ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ أَقْصَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ . 
وَمِنْهَا : أَنْ يُرَتِّلَ الْقِرَاءَةَ ، وَلا يَهُذَّهُ هَذًّا . 
وَمِنْهَا : أَنْ يَزْدَادَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى مَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِهِ . 
 
 6 - احترام المصحف .
 ويندرج تحته : 
 
 أ– أن لا يُوضَع شيء على المصحف ، فإنه يَعْلو ولا يُعْلَى عليه .
ونَقَل البيهقي عن الْحَلِيمي قوله : لا يُحْمَلَ عَلَى الْمُصْحَفِ  كِتَابٌ آخَرُ وَلا ثَوْبٌ وَلا شَيْءٌ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُصْحَفَانِ  فَيُوضَعَ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الآخَرِ فَيَجُوز .
 
 ب –  أن لا يُتناول باليَد اليُسْرى تكريما للمصحف ، فقد كان النبي صلى الله  عليه وسلم يُعجبه التيمن في تَنَعّلِه ، وترجّله ، وطُهوره ، وفي شأنه  كلِّه . رواه البخاري ومسلم .
قالت حفصة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه يَجْعَلُ يَمِينَهُ  لأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ ، وَوُضُوئِهِ وَثِيَابِهِ ، وَأَخْذِهِ وَعَطَائِهِ ،  وَكان يَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ . رواه أحمد وأبو داود .  وصححه الألباني والأرنؤوط . 
وأوْلَى وأعلى شأن الإنسان ما يتعلّق بِكتاب الله عَزّ وَجَلّ . 
 
 جـ – أن لا تُمَدّ الأقدام باتِّجاه المصاحف .
 
قال شيخنا العثيمين رحمه الله : 
لا شـك أن تعظيم كتاب الله عز وجل من كمال الإيمان ، وكمال تعظيم الإنسان لِربِّـه تبارك وتعالى . 
ومـدّ الرجل إلى المصحف أو إلى الحوامل التي فيها المصاحف أو الجلوس على  كرسي أو ماصة تحتها مصحف يُنافي كمال التعظيم لكلام الله عز وجل ، ولهذا  قال أهل العلم : إنه يُكره للإنسان أن يمدّ رجله إلى المصحف هذا مع سلامة  النية والقصد . 
 
أما لو أراد الإنسان إهانة كلام الله فإنه يكفر ؛ لأن القرآن الكريم كلام الله تعالى . 
وإذا رأيتم أحدا قد مـدّ رجليه إلى المصحف سواء كان على حامل أو على الأرض ،  أو رأيتم أحدا جالسا على شيء وتحته مصحف ، فأزيلوا المصحف عن أمام رجليه  أو عن الكرسي الذي هو جالس عليه ، أو قولوا له : لا تمـدّ رجليك إلى المصحف  . احْتَرِم كلام الله عز وجل .
والدليل ما ذكرته لك مِن أن ذلك يُنافي كمال التعظيم لكلام الله ، ولهذا لو  أن رَجُلاً مُحتَرما عندك أمامك ما استطعت أن تمـدّ رجليك إليه تعظيماً له  ، فكتاب الله أولى بالتعظيم . اهـ . 
 
 د –  أن لا يُنظَّف الأنف حال القراءة مِن المصحف ، خشية أن يُصيب المصحف شيئا  منه ، ولو لم يُخْشَ مِن ذلك فإنه يجب احترام المصحف ، فإن مِن الناس مَن  يضع المصحف بين يديه مفتوحا ، ثم يأخذ المناديل ويُنظِّف أنفه فوق لمصحف ،  وهذا في حقيقته سوء أدب مع كتاب الله . 
 
 هـ -  أن لا يضع المصحف مقلوبا عند السجود ، فقد رأيت أحدهم مرة أراد أن يسجد  للتلاوة ، فوضَع المصحف – وهو مفتوح – مقلوبا على الرف ، فأغلقت المصحف  وَوَضَعْتُه على الرف ، فغضب مني ، وسألني لِم فعلتُ ذلك ؟ فقلت : هذا  امتهان وخلاف احترام المصحف .
قال : هل عندك دليل ؟
قلت : نعم ، قول الله عَزّ وَجَلّ : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ  فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) والمصحف مِن أعظم شعائر الله . 
وبعض الناس إذا انتهى مِن القراءة ألقى بالمصحف على الرف إلقاء ، وربما أحدث صوتا ، وهذا خِلآف الأدب مع كتاب ربنا تبارك وتعالى . 
 
 و – أن لا يُسْتَدْبَر المصحف ولا يُجتَاز مِن فوقه . 
فإنك ترى في بعض المساجد مَن يجتاز مِن فوق المصاحِف ، خاصة إذا ضاق عليه الأمر ، وأراد الخروج ، أو التقدُّم إلى الصف الْمُقَدَّم .
وترى مِن يتقدَّم أمام المصاحف ويُصلِّي ويستدبر المصاحف بحيث تكون خلفه أو عند قدميه عند السجود . 
  
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
hgN]hf lu hg;jhf