لا تحزن الأيام دُوَلٌ
 
  لا تحزنْ، فإنَّ الأيام دُوَلٌ: سَجَنَ ابنُ الزبير محمد بن الحنفيَّةِ في سجنِ (عارمٍ) بمكة، فقال كُثِّر عزة:
 
  وما رونقُ الدُّنيا بباقٍ لأهلها *** وما شدَّةُ الدُّنيا بضرْبةِ لازِمِ
  لهذا وهذا مُدَّةٌ سوف تنقضي *** ويُصبِحُ ما لاقيتُهُ حلم حالكِ
 
  وتأمَّلتُ بعد هذا الحدث بقرونٍ، فإذا ابنُ الزبيرِ وابنُ الحنفية وسِجْنُ  عارمِ كحلمِ حالمٍ: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ  لَهُمْ رِكْزاً}.
 
 
 
  مات الظالمُ والمظلومُ والحابسُ والمحبوسُ.
  كلُّ بطَّاحٍ مِن الناسِ له يومٌ بطوحٌ.
 
  هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ: وفي الحديثِ: «لتُؤدُّنَّ  الحقوق إلى أهلهِا حتى يُقاد للشاةِ الجلْحاءِ من القرْناءِ».
 
  مثِّلْ أنفْسِك أيُّها المغرورُ *** يوم القيامةِ والسَّماءُ تمورُ
  هذا بلا ذنبٍ يخافُ لِهوْلِهِ *** كيف الذي مرَّتْ عليهِ دُهُوُرُ
 
  لا تحزنْ، فيُسرَّ عدوُّك: إنَّ حزنك يُفْرحُ خصمك، ولذلك كان منْ أصولِ  الملَّةِ إرغامُ أعدائِها: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ  وَعَدُوَّكُمْ}.
  وقولُه صلى الله عليه وسلم لأبي دُجانة، وهو يخطرُ في الصفوفِ متبختراً في  أُحًد: «إنها لمشيةٌ يبغضُها اللهُ إلا في هذا الموطنِ». وأمر أصحابهُ  بالرَّمل حَوْلَ البيتِ، ليُظهروا قوتهم للمشركين.
  إنَّ أعداء الحقِّ وخصوم الفضيلةِ سوف يتقطَّعون حسرةً إذا علمُوا بسعاتِنا  وفرحِنا وسرورِنا، {قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ}، {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ  تَسُؤْهُمْ}، {وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ}.
  رُبَّ منْ أنضجتُ يوماً قلْبهُ *** قد تمنَّى لي شراً لم يُطعْ
 
  وقال آخر:
 
  وتجلُّدي للشَّامتين أُريِهمُ *** أنِّي لريْبِ الدَّهرِ لا أتضعْضعُ
 
  وفي الحديثِ: «اللهمّ لا تُشمِتْ بي عدُواً ولا حاسِداً».
  وفيه: «ونعوذُ بك منْ شماتِةِ الأعداءِ».
 
  كُلُّ المصائبِ قد تمُرُّ على الفتى *** وتهونُ غير شماتةِ الأعداءِ
 
  وكانوا يتبسَّمون في الحوادِثِ، ويصبرون للمصائبِ، ويتجلَّدُون للخطوبِ،  لإرغامِ أُنُوفِ الشّامِتِين، وإدخالِ الغيْظ في قلوبِ الحاسدين: {فَمَا  وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا  اسْتَكَانُواْ}.
 
 
  بقلم :
 
  الشيخ :عائض بن عبد الله القرني
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
gh jp.k hgHdhl ]E,QgR