﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ﴾.  ﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾. 
إن كثيراً منا  يضطربُ عندما يريد أن يتخذ قراراً ، فيصيبُه القلقُ  والحيرةُ والإرباكُ  والشكُّ ، فيبقى في ألمٍ مستمرٍ وفي صداعٍ دائمٍ . إن  على العبدِ أن يشاور  وأن يستخير اللهَ ، وأن يتأمَّل قليلاً ، فإذا غلب  على ظنه الرأيُ الأصوبُ  والمسلكُ الأحسنُ أقدم بلا إحجام ، وانتهى وقتُ  المشاورةِ والاستخارةِ ،  وَعَزَم وتوكَّل ، وصمَّم وَجَزَم ، لينهي حياة  التردُّد والاضطرابِ . 
لقد شاور r  الناس وهو على المنبر يوم أُحُد ، فأشاروا بالخروجِ، فلبس  لأمته وأخذ سيفه  ، قالوا : لعلَّنا أكرهناك يا رسول الله ؟ لو بقيت في  المدينةِ . قال : (( ما كان لنبي إذا لبس لأمته أن ينزعها حتى يقضي  اللهُ بينه وبين عدوِّهِ )) . وَعَزَم r على الخروجِ . 
إن المسألة لا تحتاجُ إلى ترددٍ ، بل إلى مضاءٍ وتصميمٍ وعزمٍ أكيدٍ ، فإن  الشجاعة والبسالة والقيادة في اتخاذِ القرارِ . 
تداول r مع أصحابِه الرأي في بدرٍ : ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾،  ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى﴾ ، فأشارُوا عليه فَعَزَم r  وأقدم ، ولم يلوِ على شيءٍ .
إن التردٌّد فسادٌ  في الرأيِ ، وبرودٌ في الهمَّةِ ، وَخَورٌ في التصميمِ  وشَتاتٌ للجهدِ ،  وإخفاقٌ في السَّيْرِ . وهذا التردُّدُ مرضٌ لا دواء له  إلا العزمُ والجزمُ  والثباتُ . أعرفُ أناساً من سنواتٍ وهم يُقدِمون  ويُحجمون في قراراتِ  صغيرةٍ ، وفي مسائل حقيرةٍ ، وما أعرفُ عنهم إلا روح  الشكِّ والاضطرابِ ،  في أنفسِهم وفي من حولهم . 
إنهم سمحوا للإخفاقِ أن يصل إلى أرواحِهم فَوَصَلَ ، وسمحُوا للتشتُّتِ  ليزور أذهانهم فزار . 
إنه يجب عليك بعد  أن تدرس الواقعة ، وتتأمَّل المسألة ، وتستشير أهل  الرأي، وتستخير ربَّ  السماواتِ والأرضِ ، أن تُقدِم ولا تُحجِم ، وأن  تُنْفِذ ما ظهر لك عاجلاً  غير آجلٍ . 
وقف أبو بكر  الصدِّيق يستشيرُ الناس في حروبِ الردةِ ، فأشار الناسُ كلهم  عليه بعدمِ  القتالِ ، لكنَّ هذا الخليفة الصدِّيق انشرح صدرُه للقتالِ ،  لأن هذا  إعزازٌ للإسلامِ ، وقطْعٌ لدابر الفتنةِ ، وسحقٌ للفئاتِ الخارجةِ  على  قداسةِ الدينِ ، ورأى بنورِ اللهِ أن القتال خيرٌ ، فصمَّم على رأيه ،   وأقسم : والذي نفسي بيدهِ ، لأُقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاةِ والزكاةِ ،   والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدُّونه لرسولِ الله r  لقاتلتُهم عليه .  قال عمر : فلما علمتُ أن الله شرح صدر أبي بكر ، علمتُ  أنه الحقُّ . ومضى  وانتصر وكان رأيهُ الطيب المبارك ، الصحيح الذي لا لُبْس  فيه ولا عِوَجَ .  
إلى متى نضطربُ ؟ وإلى متى نراوحُ في أماكنِنا ؟ وإلى متى نتردَّد في  اتخاذِ القرارِ ؟ 
 
 إذا كنت ذا رأي فكنْ ذا عزيمةٍ
  فإنَّ فساد الرأي أنْ تتردَّدا
 
  
  إنَّ منْ طبيعةِ المنافقين إفشال الخطَّةِ بكثرةِ تكرارِ  القولِ ، وإعادةِ النظرِ في الرأي : ﴿لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا  زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ  الْفِتْنَةَ﴾ . ﴿الَّذِينَ  قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ  وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ  فَادْرَؤُوا عَنْ  أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.
إنهم يصطحبون « لو » دائماً ، ويحبون « ليت » ويعشقون « لعلَّ » فحياتُهم  مبنيةٌ على التسويقِ ، وعلى الإقدامِ والإحجامِ ، وعلى التذبذبِ ، ﴿مُّذَبْذَبِينَ  بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء﴾.
مرةً معنا ومرةً معهم ، مرةً هنا ومرةً هناك . 
كما في الحديثِ : (( كالشاة العائرةِ بين القطيعين من الغنمِ )) وهو  يقولون في أوقاتِ الأزماتِ : ﴿ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً  لاَّتَّبَعْنَاكُمْ﴾ . وهم كاذبون على اللهِ ، كاذبون على  أنفسهم ، فهم يسرون وقت الأزمةِ ، ويأتون وقت الرخاءِ وأحدُهم يقول : ﴿ائْذَن  لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي﴾. إنه لم يتخذ إلا قرار الإخفاقِ  والإحباطِ . ويقولون في الأحزابِ : ﴿إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ  وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ﴾ . ولكنَّه التخلصُ من الواجبِ ،  والتملُّصُ من الحقِّ المبينِ . 
 
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
hjoh`E hgrvhv