يَوْم الْقِيَامَة هُو يَوْم الْأَهْوَال و المَخَاوِف ،   فَمَا إِن يَنْجُو الْنَّاس مِن هَوْل مِن أَهْوَال ذَلِك الْيَوْم ،   حَتَّى يُدْرِكَهُم هَوْل آَخَر ، فَتَمْتَلِئ الْقُلُوْب خَوْفا و فَزَعَا .   و مَن أَشَد أَهْوَال ذَلِك الْيَوْم و أَشَدُّهَا خَطَرَا ،  الْمُرُور عَلَى  الْصِّرَاط     وَ هُو جِسْر مَضْرُوْب عَلَى مَتْن جَهَنَّم .   حَيْث يَأْمُر الْلَّه سُبْحَانَه فِي ذَلِك الْيَوْم أَن تَتَبُّع كُل أُمَّة   مَا كَانَت تَعْبُدُه ، فَمِنْهُم مَن يَتَّبِع الْشَّمْس ، و مِنْهُم مَن يَتَّبِع الْقَمَر ،   ثُم يَذْهَب بِهِم جَمِيْعَا إِلَى الْنَّار .   و تَبْقَى هَذِه الْأُمَّة و فِيْهَا الْمُنَافِقُوْن ،   فَيُنْصَب لَهُم صِرَاط عَلَى ظَهْر جَهَنَّم ، عَلَى حَافَتَيْه خَطَاطِيَّف و كَلَالِيْب ،   فَيَأْمُرُهُم سُبْحَانَه أَن يَمُرُّوْا عَلَى ظَهْرِه ، فَيَشْتَد الْمَوْقِف ، و تَعْظُم الْبَلْوَى ،   و يَكُوْن دَعْوَى الْرُّسُل يَوْمَئِذ الْلَّهُم سَلِّم سَلِّم ،   و يَكُوْن أَوَّل مَن يَجْتَاز  الْصِّرَاط  الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه و سَلَّم - بِأُمَّتِه ،   فَعَن أَبِي هُرَيْرَة عَن الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - :   { يَجْمَع الْلَّه الْنَّاس يَوْم الْقِيَامَة ، فَيَقُوْل : مَن كَان يَعْبُد شَيْئا فَلْيَتَّبِعْه ،   فَيَتْبَع مَن كَان يَعْبُد الْشَّمْس الْشَّمْس ، و يَتَّبِع مَن كَان يَعْبُد الْقَمَر الْقَمَر ،   و يَتَّبِع مَن كَان يَعْبُد الْطَّوَاغِيْت الْطَّوَاغِيْت ، و تَبْقَى هَذِه الْأُمَّة فِيْهَا مُنَافِقُوْهَا ،   فَيَأْتِيَهُم الْلَّه فَيَقُوْل :   أَنَا رَبُّكُم ، فَيَقُوْلُوْن : هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا ، فَإِذَا جَاءَنَا رَبُّنَا عَرَفْنَاه ،   فَيَأْتِيَهُم الْلَّه فِي صُوْرَتِه الَّتِي يَعْرِفُوْن ، فَيَقُوْل : أَنَا رَبُّكُم ، فَيَقُوْلُوْن :   أَنْت رَبُّنَا ، فَيَتَّبِعُوْنَه و يُضْرَب  الْصِّرَاط  بَيْن ظَهْرَي جَهَنَّم ،   فَأَكُوْن أَنَا و أُمَّتِي أَوَّل مَن يُجِيْزُهَا ، و لَا يَتَكَلَّم يَوْمَئِذ إِلَّا الْرُّسُل ،   و دَعْوَى الْرُّسُل يَوْمَئِذ ؛ الْلَّهُم : سَلِم سَلِم .   و فِي جَهَنَّم كَلَالِيْب مِثْل شَوْك الْسَّعْدَان ، هَل رَأَيْتُم الْسَّعْدَان ؟   قَالُوْا : نَعَم يَا رَسُوْل الْلَّه ،   قَال : فَإِنَّهَا مِثْل شَوْك الْسَّعْدَان غَيْر أَنَّه لَا يَعْلَم مَا قَدْر عِظَمِهَا إِلَّا الْلَّه ،   تُخْطَف الْنَّاس بِأَعْمَالِهِم ، فَمِنْهُم الْمُؤْمِن يَبْقَى بِعَمَلِه ، أَو الْمَوْبِق بِعَمَلِه ،   أَو الْمُوَثَّق بِعَمَلِه ، و مِنْهُم الْمُخَرْدَل أَو الْمُجَازَى ... }   رَوَاه الْبُخَارِي .     أَقْسَام الْمَارَّيْن عَلَى  الْصِّرَاط    يَتَفَاوَت الْمَارُّوْن عَلَى  الْصِّرَاط  تَفَاوُتا عَظِيْما ،   كُل حَسَب عَمَلِه، فَمِنْهُم مَن يَمُر كَالْبَرْق ، وَمِنْهُم مَن يَمُر كَالَرِّيْح ،   و مِنْهُم كَالْطَّيْر ، و مِنْهُم يَشُد كَشَد الْرِّجَال .   فَعَن أَبِي هُرَيْرَة – رَضِي الْلَّه عَنْه – عَن الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه و سَلَّم – :   { فَيَمُر أَوَّلُكُم كَالْبَرْق ، قَال : قُلْت بِأَبِي أَنْت و أُمِّي ، أَي شَيْء كَمَر الْبَرْق ؟   قَال : أَلَم تَرَوْا إِلَى الْبَرْق كَيْف يَمُر ، و يَرْجِع فِي طَرْفَة عَيْن ؟   ثُم كَمَر الْرِّيح ، ثُم كَمَر الْطَّيْر ، و شَد الْرِّجَال تَجْرِي بِهِم أَعْمَالُهُم ،   و نَبِيَّكُم قَائِم عَلَى الْصِّرَاط، يَقُوْل : رَب سَلِّم سَلِّم ،   حَتَّى تَعْجِز أَعْمَال الْعِبَاد ، حَتَّى يَجِيْء الْرَّجُل فَلَا يَسْتَطِيْع الْسَّيْر إِلَّا زَحْفا،   قَال : و فِي حَافَتَي  الْصِّرَاط  كَلَالِيب - جَمْع كَلُّوب حَدِيْدَة مَعْطُوْفَة الْرَّأْس –   مُعَلَّقَة مَأْمُوْرَة بِأَخْذ مَن أُمِرَت بِه فَمَخْدُوش نَاج ، و مَكْدُوس فِي الْنَّار }   رَوَاه مُسْلِم   و الْمَخْدُوش : مَن تُمَزِق جِلْدِه بِفِعْل الْكَلَالِيْب   وَالمَكْدُّوس : مِن يُرْمَى فِي الْنَّار فَيَقَع فَوْق سَابِقِه   مَأْخُوْذ مِن تَكَدَّسَت الْدَّوَاب فِي سَيْرِهَا إِذَا رَكِب بَعْضُهَا بَعْضَا .   و عَن أَبِي سَعِيْد الْخُدْرِي – رَضِي الْلَّه عَنْه –   عَن الْنَّبِي – صَلَّى الْلَّه عَلَيْه و سَلَّم – قَال :   فِي ذِكْر مَشَاهِد يَوْم الْقِيَامَة :   { ثُم يُضْرَب الْجِسْر عَلَى جَهَنَّم ، و تَحِل الشَّفَاعَة ، و يَقُوْلُوْن :   الْلَّهُم سَلِّم سَلِّم ، قِيَل : يَا رَسُوْل الْلَّه و مَا الْجِسْر ؟ قَال :   دَحْض  مَزِلَّة  ، فِيْه خَطَاطِيَّف و كَلَالِيْب و حِسِّك - شَوْكَة صُلْبَة -،   تَكُوْن بِنَجْد ، فِيْهَا شُوَيْكَة ، يُقَال لَهَا : الْسَّعْدَان ،   فَيَمُر الْمُؤْمِنُوْن كَطَرْف الْعَيْن ، و كَالْبَرْق ، و كَالَرِّيْح ،   و كَالْطَّيْر ، و كَأَجَاوِيد الْخَيْل و الرِّكَاب ، فَنَاج مُسَلَّم ،   و مَخْدُوش مُرْسِل ، و مَكْدُوس فِي نَار جَهَنَّم }   رَوَاه مُسْلِم .   و فِي حَدِيْث ابْن مَسْعُوْد ، قَال : قَال – صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم - :   { فَيَمُرُّون عَلَى  الْصِّرَاط  ، و  الْصِّرَاط  كَحَد الْسَّيْف ، دَحْض  مَزِلَّة  ، قَال :   فَيُقَال : انْجُوَا عَلَى قَدْر نُوَرِكُم ، فَمِنْهُم مَن يَمُر كَانْقِضَاض الْكَوْكَب ،   و مِنْهُم مَن يَمُر كَالْطَّرْف ، و مِنْهُم مَن يَمُر كَالَرِّيْح ، و مِنْهُم مَن يَمُر كَشَد الْرَّحْل ،   و يَرْمُل رَمَلَا فَيَمُرُّون عَلَى قَدْر أَعْمَالِهِم ، حَتَّى يَمُر الَّذِي نُوْرُه عَلَى إِبْهَام قَدَمِه ،   يَجُر يَدَا و يُعَلِّق يَدَا ، و يَجُر رَجُلا و يُعَلِّق رَجُلا ، فَتُصِيْب جَوَانِبِه الْنَّار }   رَوَاه الْحَاكِم و قَال صَحِيْح عَلَى شَرْط الْشَّيْخَيْن و وَافَقَه الْذَّهَبِي .   و هَذِه الْأَحَادِيْث و غَيْرِهَا تَبَيَّن أَن مَعْنَى الْوُرُوْد فِي قَوْلِه تَعَالَى :   { وَإِن مِّنْكُم إِلَّا وَارِدُهَا كَان عَلَى رَبِّك حَتْما مَّقْضِيا }   (مَرْيَم:71)   هُو الْجَوَاز عَلَى  الْصِّرَاط  .   و قَد ذَهَب إِلَى تَفْسِيْر الْوُرُود بِالْمُرُوْر عَلَى  الْصِّرَاط   ابْن عَبَّاس و ابْن مَسْعُوْد و كَعْب الْأَحْبَار و الْسُّدِّي و غَيْرِهِم .   فَالثَّبَات يَوْم الْقِيَامَة عَلَى  الْصِّرَاط  بِالثَّبَات فِي هَذِه الْدَّار ،   و عَلَى قَدْر ثُبُوْت قَدِم الْعَبْد عَلَى هَذَا  الْصِّرَاط  ،   الَّذِي نَصَبَه الْلَّه لِعِبَادِه فِي هَذِه الْدَّار الْدُّنْيَا ،   يَكُوْن ثُبُوْت قِدَمِه عَلَى  الْصِّرَاط  الْمَنْصُوْب عَلَى مَتْن جَهَنَّم .   و عَلَى قَدْر سَيْرِه عَلَى هَذِه  الْصِّرَاط  يَكُوْن سَيْرُه عَلَى ذَاك  الْصِّرَاط  .     وَصَف الْجِسْر   دَلَّت الْأَحَادِيْث الْسَّابِقَة عَلَى أَن  الْصِّرَاط  دَحْض  مَزِلَّة  ،   أَي : مَوْضِع تِزِل فِيْه  الْأَقْدَام  و لَا تَسْتَقِر ،   عَلَى حَافَتَيْه خَطَاطِيَّف و كَلَالِيْب و حَسَك أَي – شَوْك صُلِب مِن حَدِيْد -   و هُو أَدَق مِن الْشَّعْر ، و أَحَد مِن الْسَّيْف .   كَمَا رَوَى ذَلِك مُسْلِم عَن أَبِي سَعِيْد – رَضِي الْلَّه عَنْه – مَوْقُوْفا قَال :   { بَلَغَنِي أَن الْجِسْر أَدَق مِن الْشَّعْرَة ، و أَحَد مِن الْسَّيْف } .   الْصِّرَاط الْثَّانِي وَ هُو :   الْقَنْطَرَة الَّتِي بَيْن الْجَنَّة و الْنَّار     إِذَا خَلَص الْمُؤْمِنُوْن مِن  الْصِّرَاط  حُّبِسُوَا عَلَى قَنْطَرَة   - جِسْر آَخَر – بَيْن الْجَنَّة و الْنَّار يَتَقَاصُّون مَظَالِم كَانَت بَيْنَهُم ،   وَهَؤُلاء لَا يَرْجِع أَحَد مِنْهُم إِلَى الْنَّار ، لَعِلْم الْلَّه أَن الْمُقَاصَّة بَيْنَهُم   لَا تَسْتَنْفِذ حَسَنَاتِهِم ، بَل تَبْقَى لَهُم مَن الْحَسَنَات مَا يُدْخِلُهُم الْلَّه بِه الْجَنَّة .   قَال صَلَّى الْلَّه عَلَيْه و سَلَّم :   { يَخْلُص الْمُؤْمِنُوْن مِن الْنَّار فَيُحْبَسُون عَلَى قَنْطَرَة بَيْن الْجَنَّة و الْنَّار   فَيُقَص لِبَعْضِهِم مِن بَعْض مَظَالِم كَانَت بَيْنَهُم فِي الْدُّنْيَا   حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا و نُقُّوا أُذِن لَهُم فِي دُخُوْل الْجَنَّة   فَوَالَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِه   لِأَحَدِهِم أَهْدَى بِمَنْزِلِه فِي الْجَنَّة مِنْه بِمَنْزِلِه كَان فِي الْدُّنْيَا } .   فَهَذَا  الْصِّرَاط  خَاص بِتَنْقِيَة الْمُؤْمِنِيْن مِن الْذُّنُوب الْمُتَعَلِّقَة بِالْعِبَاد   حَتَّى يَدْخُلُوَا الْجَنَّة و لَيْس فِي قُلُوْبِهِم غَل و لَا حَسَد لِأَحَد ،   كَمَا وَصَف الْلَّه أَهْل الْجَنَّة فَقَال :   { و نَزَعْنَا مَا فِي صُدُوْرِهِم مِّن غِل إِخْوَانا عَلَى سُرُر مُّتَقَابِلِيْن }   ( الْحَجَر:47) .      هَذَا هُو  الْصِّرَاط    وَ هَذِه هِي أَحْوَال الْنَّاس عِنْد الْمُرُوْر عَلَيْه ،   فَتَفَكَّر – أَخِي الْكَرِيْم - فِيْمَا يَحِل بِك مِن الْفَزَع بِفُؤَادِك ،   إِذَا رَأَيْت  الْصِّرَاط  وَ دِقَّتِه ،  ثُم وَقَع بَصَرُك عَلَى سَوَاد جَهَنَّم مِن تَحْتَه ،   ثُم قَرَع سَمْعَك شَهِيْق الْنَّار و تُغِيظُهَا ،   و قَد كُلِفْت أَن تَمْشِي عَلَى  الْصِّرَاط  مَع ضَعْف حَالِك ،   و اضْطِرَاب قَلْبِك ، و تُزَلْزِل قَدَمَك ،   و ثَقِّل ظَهْرَك بَالَأَوْزَار الْمَانِعَة لَك مِن الْمَشْي عَلَى بِسَاط الْأَرْض ،   فَضْلَا عَن حِدَة  الْصِّرَاط  ، فَكَيْف بِك إِذَا وَضَعْت عَلَيْه  إِحْدَى رِجْلَيْك فَأَحْسَسْت بْحِدَّتُه ،   و الْخَلَائِق بَيْن يَدَيْك يَزِلّون ، و يَعْثُرُون ، و تَتَنَاوَلُهُم زَبَانِيَة الْنَّار   بِالخَطَاطِيف و الْكَلَالِيْب ،   فَيَا لَه مِن مَنْظَر مَا أَفْظَعَه ، وَمُرْتَقَى مَا أَصْعَبَه ،  و مَجَاز مَا أَضْيَقِه .    
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
hgXwA~vQh' >> lQ.AgQ~m hgXHQrX]Qhl